من أنجح الأساليب التي تتبعها الدول الاستعمارية الكبرى في تنفيذ مخططاتها ما يُسمَّى «حماية الأقليات» . إذ تقوم إحدى الدول الكبرى التي لها أطماع في دولة ما بإعلان مسئوليتها عن أقلية تعيش داخل حدود الدولة المستهدفة فتضعها تحت " حمايتها "، أي تتدخل في شئون الدولة التي تعيش الأقلية في كنفها بحجة الدفاع عن مصالح هذه الأقلية. وقد تكون هذه الأقلية دينية (الكاثوليك في لبنان - الأقباط في مصر) ، أو إثنية (الدروز في لبنان وسوريا) أو عرْقية دينية (الأرمن في الدولة العثمانية) . وتهدف فكرة الحماية هذه إلى إقناع أعضاء أقلية ما بأن مصالحها تختلف عن مصالح محيطها وأن أفضل وسيلة لحماية هذه المصالح هي التحالف مع الغرب الصديق، أي أن الغرب (عن طريق حماية الأقلية) يحوِّلها إلى جماعة وظيفية تعمل لصالحه. ومفهوم حماية اليهود مفهوم راسخ في الحضارة الغربية، فاليهود باعتبارهم جماعة وظيفية كانوا قريبين من النخبة الحاكمة التي كانت تمنحهم المواثيق والمزايا نظير أن يقوموا هم على خدمتها وتحقيق المكاسب لها. وقد بُعث المفهوم من جديد مع ظهور الصهيونية، فالصهيونية إعادة إنتاج لعلاقة الجماعة الوظيفية بالنخبة الحاكمة وتأخذ شكل علاقة الدولة الوظيفية بالراعي الإمبريالي.
وحماية اليهود إحدى الآليات التي تم من خلالها تحويل يهود العالم العربي (من يهود محليين ومهاجرين) إلى مادة استيطانية، وهي عملية لم تكن مقصورة على اليهود ولا على فلسطين؛ وإنما كانت تضم أعضاء الأقليات الدينية الأخرى وكل الوطن العربي. ولفهم صراع الدول الغربية حول حماية الأقليات، لابد أن ندرس البُعد الديني في العملية الاستعمارية الغربية. فالإمبريالية الغربية، شأنها شأن كل الأنساق العلمانية، وظفت النصوص الدينية كديباجات لتجنيد جماهيرها ولتجييش الجيوش. وبهذا المعنى، فإننا نتحدث عن البُعد الديني للاستعمار الغربي كتوظيف علماني غير ديني للدين.