للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع تَراجُع المشروع الاستعماري الكاثوليكي، ظهر المشروع الاستعماري البروتستانتي وانتقل مركز الثقل من حوض البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي. فظهرت هولندا كقوة استعمارية وتبعتها إنجلترا التي تزايدت قوتها وأصبح لها مركز الصدارة في العالم. وقد زاحمتها ألمانيا بعض الوقت في نهاية القرن التاسع عشر. ولكن ظهور الولايات المتحدة باعتبارها القوة الرأسمالية العظمى رجح كفة التشكيل الأنجلو ساكسوني داخل التشكيل الاستعماري البروتستانتي. وفي القرن الثامن عشر ظهرت روسيا باعتبارها القوة الاستعمارية الأرثوذكسية. ويُلاحَظ أن التقسيم الثلاثي الديني: كاثوليك ـ بروتستانت ـ أرثوذكس، يقابله تقسيم ثلاثي عرْقي: لاتين ـ أنجلو ساكسون ـ سلاف، وهذا يدل على أن الدين إن هو إلا ديباجة وقشرة رقيقة تغطي المصالح الاقتصادية والرؤى العرْقية. وقد عبَّر الصراع بين القوى الاستعمارية المختلفة بديباجاتها الدينية عن نفسه، فكانت كل دولة تحاول حماية أقلية دينية ما وتحفظ لها حقوقها، وهذا يعني في واقع الأمر وضعها داخل مجال نفوذ الدولة الحامية وتحويلها إلى مادة بشرية تابعة لها. فكانت فرنسا تدعم الكاثوليك وتحميهم، وقامت روسيا بدعم الأرثوذكس. وقد كانوا يظنون أنه، مع سقوط الدولة العثمانية، سيقوم الرعايا الكاثوليك والأرثوذكس بالمطالبة بفلسطين لدولهم الراعية (ولذا حرص الصهاينة على إقناع الإيطاليين والفرنسيين بأن النشاط الصهيوني لن يُعرِّض مصالحهم للخطر) .

<<  <  ج: ص:  >  >>