لم تكن الجماعات اليهودية داخل كل بلد عربي تتسم بالتماسك والوحدة، فقد كانت خاضعة للصراعات الطبقية والثقافية التي تسم أي مجتمع إنساني، إذ كان منهم الأغنياء والفقرّاء، ومنهم من استفاد اقتصادياً بدخول الاستعمار وظهور القطاع الاقتصادي الغربي الجديد، ومنهم من سقط ضحيته، ومنهم من استوعب الثقافة الغربية الدخيلة واندمج فيها، ومنهم من أخفق في ذلك وإن كان الفريق الأول أكبر بكثير من الثاني. ويمكن أن نضرب مثلاً بمصر حيث كانت الجماعة اليهودية فيها تشمل ثلاث طبقات. في أعلى السلم الطبقي نجد عدداً من العائلات الأرستقرّاطية الغنية المعروفة بثرائها ومركزها ومكانتها وعلاقتها القوية مع النخبة الحاكمة، ومن بينهم قطاوي باشا وموصيري ورولو وسوارس وهراري ووهبة ومنَسَّى ودي بيتشيوتو وشيكوريل وصيدناوي وعدس وغيرهم من أصحاب البنوك والأعمال التجارية وكبار ملاك الأراضي والبارزين في الحياة العامة. وكان هؤلاء يشكِّلون ما بين ٥ و١٠% من تعداد الجماعة اليهودية في مصر.
وتلي هذه الطبقة التي شملت كبار الأثرياء والمموِّلين طبقة متوسطة على رأسها رجال التصدير والاستيراد وأصحاب المحال التجارية والمهن الحرة في الإسكندرية والقاهرة والإسماعيلية وبورسعيد. وينتمي إلى هذه الشريحة أيضاً عدد ضخم من الموظفين اليهود في مكاتب بعض المؤسسات التي كانت تضم نسبة مرتفعة من اليهود. وكانت هذه الشريحة تتنافس مع طبقة كبار الأثرياء، ولكن أعضاء كل من هاتين الطبقتين كانوا متفرنسين تماماً، لغةً وثقافة. وعلى أية حال، كانت أعداد كبيرة منهم من أصل أجنبي إسباني أو إيطالي أو غير ذلك. وكانوا يقطنون الأحياء الثرية، كما كانوا أحياناً يحتلون قطاعاً خاصاً بهم في أحد الأحياء، كما كان حال حي السكاكيني.