يعتبر القرن الخامس الميلادي، وخصوصاً عام ٤٧٦، التاريخ الذي بدأت فيه العصور الوسطى بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية تحت هجمات القبائل البربرية. وما يهمنا فيما يتعلق بالجماعات اليهودية أن الإمبراطورية الرومانية كانت قد تبنت المسيحية عام ٣٤٠ باعتبارها ديناً رسمياً للدولة تكتسب منه شرعيتها. وفي ذلك الوقت تقريباً، أصبحت الزرادشتية عقيدة الدولة الإمبراطورية الفارسية، وظل الأمر على ذلك حتى القرن السابع الميلادي حيث حلَّ الإسلام محلها وأصبح العقيدة الأساسية في الشرق العربي وفي كثير من بلاد آسيا وأفريقيا. وتتميَّز هذه المرحلة بأن أعضاء الجماعة اليهودية وجدوا أنفسهم أقلية في دولة لها إطار عقائدي متماسك سواء في الشرق حيث الزرادشتية ثم الإسلام أو في الغرب حيث المسيحية، كما وجدوا أن الدين السائد دين توحيدي وليس عبادة وثنية. وكان هذا أمراً جديداً كل الجدة على اليهودية التي كانت موجودة دائماً في محيط وثني تحارب ضده وتكتسب هويتها الدينية من صراعها معه. وقد ازدادت العلاقات سوءاً وتوتراً بين أعضاء الجماعات اليهودية والعالم المسيحي، وخصوصاً بعد أن أعلن السنهدرين أن المسيح ليس الماشيَّح الحقيقي وإنما هو المسيح الدجال في حين آمن المسيحيون بأن هدم الهيكل إنما هو تحقيق لنبوءة المسيح. وقد حققت المسيحية انتصارات هائلة، وخصوصاً بعد أن تبنتها الإمبراطورية الرومانية، فتوقف النشاط اليهودي التبشيري وانطوى اليهود على أنفسهم وانصرف علماؤهم لتدوين وجمع التلمود بما يحويه من كره عميق للمسيحية ولشخص المسيح، وبما يتضمنه من سب للمسيح.