ولم يكن المجتمع الغربي الوسيط مقسَّماً إلى دول وإمارات مستقلة تفتقد إلى سلطة مركزية قوية وحسب، وإنما كانت كل دولة وكل إمارة مكوَّنة من جماعات متماسكة منفصلة لكل منها قوانينها؛ فكان النبلاء والأقنان الذين يعيشون في صميم النظام الإقطاعي يشتغلون بالقتال والزراعة، وكان التجار وأعضاء النقابات الحرفية أعضاء في البلديات، وكان القساوسة وممثلو البيروقراطية الدينية تابعين للكنيسة. وقد تمتعت كل جماعة بدرجة من الاستقلال عن الجماعات الأخرى. أما أعضاء الجماعات اليهودية، فلم يكونوا مواطنين في المدينة ولا فلاحين في الضياع الإقطاعية، ولم يكونوا من الفرسان المحاربين، كما أنهم لم يكونوا بطبيعة الحال منتمين إلى الكنيسة الكاثوليكية. وعلى كلٍّ، كان الانتماء للمجتمع الإقطاعي المسيحي يتطلب يمين الولاء المسيحي، الأمر الذي لم يكن متاحاً لليهود إلا إذا تنصروا. وقد حُلَّت هذه المشكلة القانونية بالعودة إلى القانون أو العرف الألماني، وتم تصنيف اليهود «غرباء» .
والغريب في العرف الألماني كان يُعدُّ تابعاً للملك تبعية مباشرة، ومن ثم أصبح أعضاء الجماعة مسئولين مسئولية مباشرة أمام الملك أو الإمبراطور، يتبعونه ويوضعون تحت حمايته، بل كانوا يُعَدُّون ملكية خاصة له بالمعنى الحرفي (أقنان بلاط) ، الأمر الذي حولهم إلى ما يشبه أدوات الانتاج. وكان الملك يفرض عليهم ضرائب كانت تصب في خزانته كما أنه كان يبيعهم المواثيق والمزايا ويحقق من ذلك أرباحاً.
ومع أن مفهوم أقنان البلاط كان كامناً في كثير من المواثيق والمراسيم منذ أيام شارلمان (٧٤٢ ـ ٨١٤) ، فإنه استُخدم لأول مرة في مرسوم الملك فريدريك الأول عام ١١٥٧، ثم أكده فريدريك الثاني عام ١٢٣٦ حين أصدر مرسوماً يشير إلى كل يهود ألمانيا باعتبارهم أقنان بلاط.