للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل المزية الكبرى التي حصل عليها أعضاء الجماعات اليهودية هي حرية الحركة، إذ أصبحوا العنصر البشري الوحيد المتحرك في المجتمع. ذلك أن الأقنان والفلاحين كانوا مرتبطين بالأرض رغم أنفهم، وكان النبلاء لا كيان لهم خارج إقطاعيتهم، ورجال الكنيسة يرتبط كل واحد منهم بكنيسته أو ديره، وكان التجار المسيحيون تقف في طريقهم حواجز كثيرة تعوق حركتهم مثل ضرائب المرور التي كان اليهود مُعْفَيْنَ منها. ولكل هذا، تحوَّل أعضاء الجماعات اليهودية إلى عنصر متحرك استيطاني تجاري وتَرسَّخ المفهوم تماماً في الوجدان الغربي. وعلى سبيل المثال، قام شارلمان بتوطين بعض اليهود في ماركا هسبانيكا (في جنوب فرنسا) ليكونوا بمنزلة حاجز على حدود العالم المسيحي لوقف التوسع الإسلامي. وإذا كان أعضاء الجماعات اليهودية قد عملوا بالزراعة في هذه التجربة، فإنهم عادةً ما كانوا يدعون إلى الاستيطان للاضطلاع بوظيفة التجارة باعتبارهم عنصراً بشرياً قادراً على تنشيط التجارة بسبب خبراته ورأسماله وشبكة اتصالاته التجارية الواسعة وحركيته. وفي القرن الثامن الميلادي، على سبيل المثال، استوطن في فرنسا عدد من التجار اليهود بدعوة من شارلمان، بهدف تنشيط التجارة، فوضعهم تحت حمايته. ويُلاحَظ ارتباط اليهود بشارلمان، فهو أول من حاول أن يخلق إطاراً اقتصادياً جديداً يحل محل الإطار الروماني، كما كان أول من سك عملة فضية للتداول في أوربا، وبذلك جعل شارلمان التبادل النقدي ممكناً بدلاً من المقايضة. وقد اتبع خلفاؤه السياسة نفسها في العصر الكارولنجي، فاشتغل اليهود بالتجارة والاستيراد والتصدير في وادي الرون ومقاطعة شامبين. ومن المعروف أن جنوب فرنسا كان المركز الأساسي للتجار اليهود الدوليين الذين أُطلق عليهم اسم الراذانية (نسبة إلى نهر الرون كما يُقال) . وكان شمال فرنسا، في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، يضم أهم تجمُّع يهودي في فرنسا، كما كان

<<  <  ج: ص:  >  >>