ويُعَدُّ يهود إنجلترا مثلاً جيداً على صعود اليهود وتدهور حالهم ثم طردهم وتَحوُّلهم من التجارة إلى الربا ومن اعتماد الطبقة الحاكمة عليهم إلى استغنائها عنهم. فهم لم يتأثروا كثيراً بحروب الفرنجة وإن شنت بعض الهجمات عليهم، ولكنهم تأثروا بظهور القوى المالية غير اليهودية، مثل اللومبارد والكوهارسين، الأمر الذي أدَّى إلى إفقارهم. وقد أصدر إدوارد الأول عام ١٢٧٤ أمراً بمنع اليهود من الاشتغال بالأعمال المالية، وفتح لهم أبواب الزراعة والحرف والتجارة، ولكنه لم يُوفَّق في مساعيه فطردهم عام ١٢٩٠. والظاهرة نفسها يمكن ملاحظتها بين يهود فرنسا الذين طُردوا من التجارة، حتى بلغ تدهورهم حداً كبيراً تحت حكم لويس التاسع (١٢٢٦ ـ ١٢٧٠) ثم تم طردهم عام ١٣٠٦.
ويتسم وضع يهود إسبانيا في تلك المرحلة بأنه أكثر تركيباً بسبب وضع إسبانيا الخاص. فبعد فترة ازدهرت فيها التجارة اليهودية، أقيمت محاكم التفتيش عام ١٤٧٨، وانتهى الأمر بطرد اليهود من إسبانيا عام ١٤٩٢ بقرار من فرديناند وإيزابيلا، كما تم طردهم من البرتغال عام ١٤٩٧. وبلغ عدد اليهود الذين طُردوا نحو مائة وخمسين ألف يهودي، لجأت أعداد كبيرة منهم إلى العالم الإسلامي في شمال أفريقيا والدولة العثمانية، وهاجر بعضهم إلى فرنسا وهولندا. أما يهود ألمانيا، فكان من الصعب طردهم من بلادهم بصورة كاملة، لأن ألمانيا كانت مقسَّمة إلى عدة إمارات صغيرة ولم تكن بها دولة مركزية قوية. وقد ضمن هذا الوضع استمرارهم إذ كانوا حينما يُطرَدون من إمارة يلجأون إلى أخرى كما كان الحال في إيطاليا، وعلى عكس ما حدث في فرنسا وإنجلترا وإسبانيا حيث كانت توجد سلطة مركزية قوية نسبياً.