للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع حلول القرن الثالث عشر الميلادي، أصبح أعضاء الجماعات اليهودية في المجتمعات الغربية الوسيطة جماعة وظيفية وسيطة تشكل جسماً غريباً بمعنى الكلمة وتعيش على هامش المجتمع أو في مسامه، تؤمن بدين معاد للديانة الرسمية بل تقف منها موقف النقيض، فاليهود قتلة المسيح وفق التصور المسيحي وهم يقرأون نفس الكتاب المقدَّس (العهد القديم) دون أن يعوا مضمونه، وهم بحسب القول المسيحي: " أغبياء يحملون كتباً ذكية "، كما أنهم يرجعون لكتاب ضخم من كتب التفسير يُسمَّى التلمود الذي هو موضع شك العالم المسيحي، ويرتدون أزياء خاصة بهم، ويتسمون بأسماء يهودية، ويتحدثون برطَانَات غريبة وأحياناً بلغة غير لغة أهل البلاد مثل الفرنسية في إنجلترا والألمانية في بولندا، ويعملون في وظائف هامشية مثل التجارة والربا. وقد أخذت عزلتهم تتزايد حتى تبلورت تماماً داخل الجيتو خلال القرن الخامس عشر الميلادي. ويبدو أن استبعاد اليهود إلى هذا الحد هو الذي أدَّى في نهاية الأمر إلى ظهور المسائل اليهودية المختلفة في غرب أوربا ووسطها وشرقها. ولم تكن مؤسسات يهود أوربا الإدارية والتنظيمية في العصور الوسطى تمتلك بيروقراطية محترفة معترفاً بها من قبَل الدولة المركزية، ولم يكن هناك نظير لرأس الجالوت (المنفى) أو رئيس اليهود (نجيد) ، فكان لكل قهال قوانينه الخاصة به (تاقانوت) التي يحدد فيها حقوقه وامتيازاته ويدافع عنها ضد يهود المدن المجاورة. وكانت المحكمة التابعة لكل قهال مستقلة تباشر نفوذها من خلال التهديد بالطرد من الجماعة (حيريم) . وانقسام القهالات على هذا النحو كان تعبيراً عن اللامركزية التي كانت تسم النظام الإقطاعي في أوربا (ويختلف وضع الجماعات اليهودية في العصور الوسطى في الغرب في كثير من الوجوه عنه في العالم الإسلامي في الفترة نفسها. ففي العالم الإسلامي، اندمج اليهودي في مجتمعه على المستوى الوظيفي والاقتصادي والحضاري. كما أنه، باعتباره

<<  <  ج: ص:  >  >>