ولكن المجال الدلالي للكلمة اتسع، وبدأت الكلمة تتجه نحو مزيد من التركيب دون أن تصل إلى الشمول الكامل على يد جون هوليوك John Holyooke (١٨١٧ ـ ١٩٠٦) أول من نحت المصطلح بمعناه الحديث وحوَّله إلى أحد أهم المصطلحات في الخطاب السياسي والاجتماعي والفلسفي الغربي. ولم يكن جون هوليوك، لسوء الحظ، يتسم بكثير من العمق الفلسفي أو التحليلي، ولذا ساهم تعريفه في تعميق مشكلة العلمانيتين واختلاط الحقل الدلالي. وقد حاول أن يأتي بتعريف تَصوَّر أنه محايد تماماً (ليست له علاقة بمصطلحات مثل «ملحد» أو «لاأدري» ) . فعرَّف العلمانية بأنها "الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض".
والحديث عن "إصلاح حال الإنسان" يفترض وجود نموذج متكامل ورؤية شاملة ومنظومة معرفية قيمية. فهل العلمانية إذن هي هذه الرؤية الشاملة؟ إن كان الأمر كذلك، فإن هوليوك لم يعطنا ملامح هذا النموذج وهذه المنظومة، فهو لا يتصدى البتة لقضية القيمة (هل هي قيم مادية؟) أو قضية المعرفة (هل مصدرها الحواس وحسب؟) . وهو يتحدث عن الإنسان دون تعريف للسمات الأساسية لما يشكل جوهر الإنسان الذي ستتم العملية الإصلاحية عليه وباسمه (هل هو إنسان طبيعي؟) . وهناك الحديث عن الإصلاح "من خلال الطرق المادية" فهل يعطينا هذا مفتاحاً لطبيعة النموذج الذي سيتم تبنيه؟ أليست هذه هي العلمانية الشاملة؟ وهذا الموقف ألا يعني الرفض الكامل للإيمان، وليس عدم التصدي له وحسب، كما يدَّعي؟ فالمصطلح يحتوي على قضايا خفية كثيرة وعلى ميتافيزيقا خفية وعلى منظومة قيمية انسلخت عن الإيمان الديني وتبنت الطرق المادية، فكأنه تبنى النموذج الشامل للعلمانية دون أن يدرك هو نفسه ذلك، وتصور أنه سيترك الإيمان الديني وشأنه.