وبعد الحرب العالمية الأولى، كان عدد اليهود ٣٠٠ ألف منهم ٢٠١.٠١١ في فيينا. وكان أعضاء الجماعة اليهودية يشكلون الأغلبية في عدة قطاعات استهلاكية، فكانت نسبتهم تتراوح بين ١٠٠% و٦٥% من مالكي المصارف والمطاعم وتجارة الخمور والأحذية والفراء والمنسوجات والأخشاب وصناعة الأثاث والصحف وشركات الإعلانات ومحطات الإذاعة وقطاع السينما وصالونات التجميل. وتركزوا كذلك في تجارة البترول والزيوت والقبعات. وكانت النسبة تصل أحياناً إلى ٩٤% (المطاعم) بل إلى ١٠٠% (تجارة الخردة) . وتركزوا كذلك في مهن بعينها دون غيرها، فكانوا يشكِّلون ٧٠% من جملة العلماء و٥١% من جراحي الأسنان والأطباء و٢٣% من أساتذة الجامعة (منهم ٤٥% في كليات الطب) و٦٢% من جملة المحامين و٥٥% من جملة الصاغة.
كان هذا هو الوضع الاقتصادي الذي تَحدَّث عنه هرتزل حينما وصف اليهود بأنهم طبقة وسطى ومثقفون، وهو ما يبين جهله الشديد بوضع يهود شرق أوربا أي يهود اليديشية. وقد بيَّن إحصاء عام ١٩٢٣ أن عدد اليهود في النمسا هو ٢٢٠.٢٠٨، أما إحصاء عام ١٩٣٤ فيبين أن عددهم هو ١٩١.٤٨١، أي ٢.٨% من جملة السكان، أي أن عدد اليهود نقص ٢٨.٧٢٧ في نحو عشرة أعوام. ولعل هذا كان بسبب تناقص نسبة المواليد. وكان عدد المواليد في فيينا ٢.٧٣٣ نسمة عام ١٩٢٣، هبط إلى ١.٣٦٢ عام ١٩٢٨ ثم إلى ٩٠٠ عام ١٩٣٣ وإلى ٧٥٧ عام ١٩٣٦. وفي الوقت نفسه، زاد معدل الوفيات، ففي عام ١٩٢٣ كان عدد الوفيات ٢.٥٧١ في فيينا، زاد إلى ٢.٦٦٩ عام ١٩٢٨ وإلى ٢.٦٨٩ عام ١٩٣٣ وإلى ٢.٧٥١ عام ١٩٣٦، أي أن عدد الوفيات زاد عن عدد المواليد بنحو ألفي نسمة عام ١٩٣٦. وهذه الأرقام قد تفيد في تحديد عدد ضحايا الإبادة الحقيقي.