للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبدأ الوجود اليهودي الحقيقي في بولندا بعد الغزو التتري الذي أفرغ بعض المناطق من سكانها. وفي محاولتهم إعادة تعمير بلدهم قام ملوك بولندا، بتشجيع تجار ألمانيا على الهجرة لتأسيس مدن تتبع قانون ماجدبرج الألماني (الأمر الذي كان يعني استقلالها النسبي) وأُصدرت لهم المواثيق حسب هذا القانون. وكان من بين المهاجرين الألمان تجار يهود هاجروا ومعهم لغتهم الألمانية (التي أصبحت اليديشية فيما بعد) والتلمود والطقوس الإشكنازية في العبادة. ومما شجع اليهود على الهجرة إلى بولندا، تدنِّي وضعهم في أوربا الغربية إبّان حروب الفرنجة، وفقدانهم وظيفتهم كتجار، وتَحوُّلهم إلى مرابين وتجار صغار. كما أن بولندا كانت البلد الوحيد تقريباً في أوربا الذي لا يتوقف فيه حق المواطنة على الانتماء إلى الكنيسة، كما كان الحال في بقية أوربا. وقد أصدر بوليسلاف التقي ميثاقاً عام ١٢٦٤ يعرف باسم «ميثاق كاليسكي» لتنظيم الأحوال القانونية لأعضاء الجماعة اليهودية وتحديد إطار التعامل الاقتصادي والثقافي بينهم وبين المسيحيين، وكذلك حمايتهم وحماية أملاكهم. وكان هذا الميثاق نفسه ميثاقاً مهاجراً مثل الجماعة اليهودية، إذ كان على نمط ميثاق فريدريك الثاني دوق النمسا والمواثيق المماثلة التي مُنحت لأعضاء الجماعة في وسط أوربا في بوهيميا والمجر. وضمن لهم الميثاق حرية الإقامة في أي مكان والحرية الدينية وحرية الاتجار وحرية التقاضي، كما حرَّم اتهام اليهود بتهمة الدم دون سند قوي. ثم قام كاسيمير الثالث بتوسيع نطاق هذا الميثاق عام ١٣٣٤ بحيث أصبح يتمتع به يهود روسيا البيضاء وبولندا الصغرى ثم يهود ليتوانيا (١٣٨٨) وسائر يهود المملكة. وأُعفي اليهود من الخدمة العسكرية، ولم يكن عليهم تزويد الجنود بالمؤن في زمن الحرب، ولكن كان يتعين عليهم دفع ضريبة إضافية نظير ذلك، وهو الوضع الذي استمر حتى تقسيم بولندا. وفي حالة التقاضي، لم يكن للبلديات أو الكنيسة سلطة

<<  <  ج: ص:  >  >>