٢ ـ رغم محاولتنا الجاهدة الدائبة في اللحاق بركب الغرب ومواكبته، فإن المصطلحات التي نستوردها (مثل: «الاستنارة» ـ «التقدم» ـ «التحديث» ـ «العقل» ) تشير إلى معنى الكلمات كما وردت في المعجم الغربي (اللغوي والحضاري) حتى منتصف أو أواخر القرن التاسع عشر ولم يتسع مجالها الدلالي كما حدث في الغرب. ولذا، فإن مصطلحاتنا بريئة تماماً من كل المشاكل التي ظهرت بعد تحقق المتتالية الترشيدية والتحديثية والعلمانية الغربية، فهي بسيطة أحادية البُعد تشع تفاؤلاً لا أساس له في الواقع. واصطلاح «علمانية» لا يشكل أي اسثناء لهذه القاعدة، فنحن نتحدث عنها على طريقة فولتير ولوك وكوندورسيه وغيرهم من الفلاسفة التبسيطيين الاختزاليين.
٣ ـ تُوجَد داخل هذا التشكيل الحضاري عدة تشكيلات فرعية: فهناك التشكيل الفرنسي (الكاثوليكي) والتشكيل الحضاري الإنجليزي وهناك التشكيل الألماني (البروتستانتي) والتشكيل الروسي (الأرثوذكسي) ، وقد عرَّف كل تشكيل هذا المصطلح بطريقة مختلفة إلى حدٍّ ما من خلال تجربته الخاصة.
٤ ـ خاضت هذه التشكيلات الحضارية تحولات مختلفة، وتزايدت فيها معدلات العلمنة واختلفت المواقف من العلمانية باختلاف المرحلة التاريخية وباختلاف الجماعة التي تقوم بعملية التعريف.
رغم كل هذا استوردنا مصطلح «علمانية» ولصقناه في معجمنا بإبهامه ولا تحدده وتأرجحه بين الجزئية والشمول. ومع انتقال المصطلح إلى العالم العربي الإسلامي، ازداد المجال الدلالي المضطرب للكلمة اضطراباً واختلالاً للأسباب التالية:
أ) حينما ينتقل مصطلح مثل «علمانية» من معجم حضاري إلى معجم حضاري آخر وتتم «ترجمة» المصطلح، فإنه يظل يحمل آثاراً قوية من سياقه الحضاري السابق الذي يظل مرجعية صامتة له.