أما الاستجابة الثانية، فهي الهجرة. وقد شهدت هذه المرحلة هجرةً على نطاق واسع لم يشهد أعضاء الجماعات اليهودية مثلها من قبل في تجاربهم التاريخية المختلفة. وقد ترك روسيا، في الفترة من ١٨٨١ إلى ١٩١٤، نحو مليوني يهودي (٢.٧٥٠.٠٠٠ من كل شرق أوربا) . ونتج عن ذلك تَحسن نسبي في مستوى المعيشة، لأن المهاجرين كانوا يرسلون إلى أقاربهم وأسرهم معونات مالية، كما أن ذلك حلَّ مشكلة الانفجار السكاني حلاًّ مؤقتاً. وقامت مؤسسات يهودية خيرية في الغرب بالمساهمة في تسهيل عملية الهجرة. فعرض البارون دي هيرش نقل ثلاثة ملايين يهودي إلى الأرجنتين على أن تقوم بذلك جمعية الاستيطان اليهودي (إيكا) . ومع هذا، فإن تَزايُد عدد يهود روسيا كان يحيِّد الآثار الإيجابية لهذا العنصر. وبلغ عدد اليهود الناطقين باليديشية (وفق إحصاء ١٨٩٧) نحو ٥.٠٥٤.٣٠٠، وكان معظم يهود روسيا (٤.٨٩٩.٤٢٧) مركزاً في منطقة الاستيطان بما يشكل ١١.٦% من سكانها. ويُلاحَظ كذلك وجود ١٦١.٥٠٠ من يهود الجبال ويهود جورجيا وغيرهم من يهود القوميات غير الناطقة باليديشية.
أما الاستجابة الثالثة، فهي ظهور الصهيونية بين اليهود بشقيها الشرقي (الاستيطاني) والغربي (التوطيني) . ففي شرق أوربا، أدَّى تَوقُف الحراك الاجتماعي في بعض قطاعات البورجوازية الصغيرة المتعلمة وفي غيرها من القطاعات اليهودية إلى إحساسها بالإحباط وبعبث محاولة تحقيق نفسها إثنياً وطبقياً من داخل التشكيل السياسي الروسي، فبدأت هذ القطاعات في التفكير في أشكال أخرى مثل الهجرة إلى الولايات المتحدة (وهو النمط السائد) أو الاستيطان الصهيوني. وأدَّت الهجرة اليهودية المكثفة إلى غرب أوربا والولايات المتحدة إلى فزع قطاعات كبيرة من يهود الغرب، فتبنوا الحل الصهيوني (التوطيني) كوسيلة لتحويل سُبل الهجرة عن بلادهم.