والواقع أن هجرة يهود أوربا إلى أمريكا اللاتينية، وتركُّزهم في بلاد بعينها، هي تعبير عن نمط الهجرة اليهودية في العصر الحديث، وهي هجرة من البلاد الأقل تقدماً إلى البلاد الأكثر تقدماً، على عكس نمط الهجرة في أوربا في العصور الوسطى حيث كانت في معظم الأحيان هجرة إلى المجتمعات الأقل تقدماً. ويمكننا أن نضيف هنا أن هذا هو أيضاً نمط الهجرة الأوربية عموماً في العصر الحديث، أو لنسمِّه التجربة الاستعمارية الاستيطانية حيث صدَّرت أوربا فائضها البشري وحلت مشاكلها الاجتماعية عن طريق توطين هذا الفائض فيما سمته «الأرض البكر» ، وهي أرض اغتصبتها من أهلها إما بإبادتهم أو نقلهم منها (ترانسفير) .
والعناصر البشرية الفائضة المهاجرة هي دائماً عناصر خاضعة لقوتين متناقضتين متكاملتين: قوة طرد من الوطن الأصلي، وقوة جذب للوطن المضيف. والواقع أن العناصر المهاجرة تبحث عن فرص جديدة، وتحاول أن تحقق في المجتمع الجديد ما فشلت في تحقيقه في مجتمعاتها الأصلية، ومن ثم لم تهاجر أعداد كبيرة إلى المجتمعات الزراعية.
وليس من قبيل الصدفة أن الولايات المتحدة استقبلت ٨٥% من جملة المهاجرين الأوربيين بين عامي ١٨٥٧ و١٩٦٥ والبالغ عددهم ٦٠ مليوناً، وتليها الأرجنتين التي اجتذبت ٦.٥٠٠.٠٠٠مهاجر في الفترة نفسها، أي نحو ١١%، مكث منهم ٤.٣٧٩.٠٠٠.