للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشرنا في المدخل السابق إلى أن أعضاء الجماعات اليهودية بدأوا يصبحون أعضاء في الطبقة الوسطى. ولكننا حينما نقرر ذلك فنحن نفعل ذلك مع كثير من التحفظ لأنهم احتفظوا بالكثير من ملامح الجماعة الوظيفية المالية، فهم طبقة وسطى من ناحية الدخل والمقاييس الخارجية ونمط الاستهلاك ومتوسط العمر، ولكنهم ليسوا كذلك من ناحية التوزُّع الوظيفي والمهني أو من ناحية العلاقة مع النخبة الحاكمة. فالطبقة الوسطى توجد بين النخبة الحاكمة والجماهير، وهي تقوم بدور الوسيط. وهذا يتطلب علاقة قوية مع النخبة والجماهير وأن تكون الطبقة الوسطى جزءاً عضوياً من المجتمع ولا تتواجد في مسامه وحسب، وهو الأمر الذي لم يحققه أعضاء الجماعات اليهودية. فقد حققوا وضعاً اقتصادياً متميِّزاً، ولكنه كان في الواقع متميِّزاً لتركزهم في قطاعات بعينها دون غيرها، كما أن تميُّزهم هذا لم يترجم إلى مكانة سياسية. وهذا وضع مختلف إلى حدٍّ ما عن وضع يهود الولايات المتحدة الذين حققوا حراكاً اجتماعياً ترجم نفسه إلى مكانة رفيعة وهيبة وقوة. ولتفسير هذه الظاهرة، يجب الإشارة إلى أن الانضمام إلى النخبة أمر صعب في المجتمعات ذات التقاليد العريقة والامتداد التاريخي والهوية الواضحة. وهذه عناصر يتسم بها المجتمع اللاتيني بشكل واضح. كما أن وضع النخبة داخل هذا المجتمع، وطريقة الانضمام إليها، يستند إلى ثلاثة عناصر أساسية، هي: الكاثوليكية، وملكية الأراضي، والأصل الأرستقراطي العريق. وهي جميعاً أصول تستبعد اليهود باعتبارهم مهاجرين وغير مسيحيين، وخصوصاً أن ارتباط اليهود بالتجارة في الوجدان الغربي المسيحي ثم في الوجدان اللاتيني (وهو ارتباط تؤكده حقيقة وضع اليهود) زاد قوة الطرد خارج النخبة. وحينما ظهرت نخب جديدة في المجتمع، مثل القوات المسلحة، فإن عملية الانضمام إليها كانت تتسم بمعايير تستبعد اليهود. ولذا، نجد أن نسبة الضباط اليهود في القوات المسلحة نسبة لا تُذكَر.

<<  <  ج: ص:  >  >>