ك) لم تتناول أي من التعريفات الحياة اليومية في المجتمعات العلمانية في الوقت الحاضر، وماذا حدث للإنسان بعد أربعة قرون من ازدهار العلمانية وترعرها في المجتمعات الغربية (ظهور ثقافة شعبية منحطة ـ انتشار العنف ـ انتشار المخدرات ـ أمركة العالم) .
ل) لم يتعرض أحد للتراث الغربي الثري في نقد العلمانية وما بعد الحداثة، فهم يلزمون الصمت تجاهه، أو يدرسونه ويعرضون له في دراسات تبيِّن مدى "موضوعية" الغرب و"مدى مقدرته على تصحيح أخطائه" دون أن يستوعبوا هذا النقد في تعريفهم للعلمانية.
وما حدث هو أن دارسي العلمانية فصلوا المصطلح (والظاهرة) عن غيره من المصطلحات بحيث تحولت العلمانية من كونها رؤية للكون (بالألمانية: فلتنشوونج Weltanschauung) إلى ظاهرة مستقلة من ضمن ظواهر عديدة، لها تاريخ مستقل. بل الأسوأ من هذا أن تاريخ العلمانية أصبح جزءاً من تاريخ الأفكار فتجمد المصطلح وانفصل عن مضامينه التاريخية والحضارية، وأصبحت العلمانية، في كثير من الدراسات، برنامجاً إصلاحياً أو برنامجاً تآمرياً وتم تجاهل عمليات العلمنة البنيوية الكامنة المسئولة الأساسية عن تحوُّل المجتمع. ثم تدهور الأمر بين أعداء العلمانية ودعاتها إذ يقول أتباع الفريق الأول:"إن العلمانية كفر وإلحاد وغزو ثقافي" ثم يضيفون إلى هذا كل ما يبدو شراً مستطيراً. أما أتباع الفريق الثاني فيقولون:"إن العلمانية هي أن يكون الإنسان إنساناً وأن يُحكِّم ضميره ويحب الخير كنهاية في ذاته ويُدافع عنه وعن حرية الفكر والإبداع والتسامح والمحبة"، ثم يضيفون إلى هذا كل ما يبدو جميلاً ورائعاً ونبيلاً. وانطلق دعاة العلمانية يلهجون بالثناء عليها ويتحدثون عن أن لا سلطان للعقل إلا للعقل ويشيرون إلى أوربا مهد النور والعقل والعلمانية ... إلخ.