ويأخذ الحراك الاجتماعي للمهاجرين اليهود عادةً شكل التحرك من التجارة إلى الصناعة الخفيفة ومنها إلى المهن الحرة. وهذا ما حدث في جنوب أفريقيا، إذ يوجد من اليهود عدد كبير في المهن الحرة (الطب والقانون والمحاسبة والهندسة والجامعات) .
ويُلاحَظ تركز أعضاء الجماعة اليهودية في قطاعات اقتصادية بعينها، وغيابهم عن البعض الآخر، فنجد أن ٤٩% من أعضاء الجماعة اليهودية يوجدون في قطاع التجارة مقابل ٢٢% من البيض، و٢٥% في قطاعات الخدمات مقابل ٢٣% من البيض، و١٧% في الصناعة مقابل ١٨% من البيض، أي أن ٩١% من أعضاء الجماعة اليهودية مركزون في قطاعات بعينها مقابل ٦٣% من البيض. ويظهر التفاوت الشديد في قطاعي الزراعة والمناجم إذ لا يتواجد أعضاء الجماعة اليهودية فيها إلا بنسبة ١.٩% بينما نجد أن نسبة البيض من غير اليهود تصل إلى ١٥%. ويجب ملاحظة أن الفئة الصغيرة التي تعيش من الزراعة تضم في صفوفها ملاك مزارع البطاطا والذرة من اليهود، كما يضم قطاع المناجم الكوادر الإدارية اليهودية العاملة فيه، وهو ما يعني أن تمثيل أعضاء الجماعة اليهودية في هذين القطاعين أقل من ١.٩%. وبطبيعة الحال، لا يوجد تمثيل يهودي بين السود، ولا بين الفلاحين أو المزارعين، ولا بين العمال، أي أن أعضاء الجماعة اليهودية مركزون أساساً في صفوف الطبقة الوسطى البيضاء. وقد انخرطوا في سلكها تماماً وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ منها، بمعنى أنهم فقدوا سمة الجماعة الوظيفية. ولكن، مع هذا، تجب الإشارة إلى أن الطبقة الوسطى في جنوب أفريقيا طبقة وسطى استيطانية، وهو ما يجعلها ذات سمات خاصة، فعلاقتها بالطبقة العاملة السوداء تختلف تماماً عن علاقة الطبقة الوسطى في بلد مثل فرنسا مع الطبقة العاملة فيها. فالجيوب الاستيطانية الغربية كلها جيوب وظيفية تلعب دوراً حيوياً ومهماً في استغلال المناطق التي توجد فيها لصالح العنصر الأبيض المهيمن الذي يدين بالولاء للحضارة الغربية،