للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الإطار، كان يُنظر إلى العنصر اليهودي باعتباره عنصراً نافعاً يساهم في تطوير المستعمرات الجديدة. ولم يكن هناك قطاع اقتصادي يهودي مستقل عن القطاع المسيحي، كما لم تكن هناك حرف أو وظائف يهودية رغم أن الموروث الاقتصادي الأوربي لليهود وخبراتهم السابقة كانت تحدِّد اختياراتهم الاقتصادية في كثير من الأحيان وتحدُّ منها في بعض الأحيان. ولم يكن هناك نظام تعليمي يهودي مستقل، باستثناء بضع مدارس لتعليم اليهود الذين يضطلعون بوظائف المؤسسة الدينية أو لتعليم أطفال اليهود تعاليم دينهم أو تدريبهم على احتفالات بلوغ سن التكليف الديني (برمتسفاه) التي أصبحت من أهم ملامح الحياة اليهودية في الولايات المتحدة. وكانت المدارس العلمانية مفتوحة على مصراعيها أمامهم، فكان أبناء أثرياء اليهود يلتحقون بها. ولكن لم تُبد أغلبية أعضاء الجماعة اليهودية آنذاك اهتماماً كبيراً بالتعليم العالي بسبب توجُّههم الاقتصادي. ولم يكن أعضاء الجماعة اليهودية يتميزون بأزياء أو لغة خاصة بهم، بل كانوا يسلكون سلوك بقية أعضاء المجتمع. وأدَّى كل هذا إلى اختفاء كثير من القيم التقليدية اليهودية التي حملها المهاجرون معهم من أوطانهم الأصلية، بل كان أبناؤهم يسخرون منها تماماً. كما أن كثيراً من الشعائر الدينية أخذ يطويها النسيان والإهمال، ولم يكن أعضاء الجماعة اليهودية يشعرون بأن وطنهم الجديد هو المنفى (جالوت) الذي تتحدث عنه الكتب الدينية، بل اعتبروه وطنهم النهائي والقومي والوحيد (تماماً كما فعل أعضاء الجماعة في بابل من قبل) .

ويمكن القول بأن الملامح الأساسية للجماعة اليهودية، وكذلك ثوابت تاريخها، تحدَّدت في تلك المرحلة بحيث وسمت تطورها اللاحق بميسمها. ولم تشهد مراحل التطور اللاحقة سوى تعديل بعض السمات وتعميق البعض الآخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>