ونحن نحاول أن نقدم نموذجاً مركباً للعلمنة والعلمانية، وذلك لا باعتبار العلمنة مجموعة من الأفكار والممارسات الواضحة، ولا باعتبارها رؤية تغطي بعض مجالات الحياة دون الأخرى وحسب، ولا باعتبارها فكرة ثابتة لا متتالية نماذجية، وإنما باعتبارها رؤية شاملة لإعادة صياغة الواقع في إطار المرجعية المادية الكامنة النهائية وهيمنة الواحدية المادية الموضوعية. ونحن نعتقد أن هذا النموذج له قيمة تفسيرية وتصنيفية عالية وأنه سيكون بمنزلة النظرية التفسيرية والتصنيفية العامة التي تحاول أن تكتشف قدراً معقولاً من الوحدة بين الظواهر التي صُنِّفت باعتبارها ظواهر مستقلة. وهو نموذج تنضوي تحته كلٌّ من الرأسمالية والاشتراكية باعتبارهما نموذجين ماديين في تنظيم المجتمعات البشرية، ومن ثم فهما مجرد تنويعين على نموذج أعمق وأشمل، أي العلمانية (والعقلانية المادية والواحدية المادية) . بل إننا نستخدم نموذج العلمنة لنفسر العديد من الظواهر في العصر الحديث لا في الغرب وحسب وإنما على مستوى العالم بأسره، ونشير إلى ما نسميه «الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية» باعتبار أن هذه الرؤية لم تُطبَّق على الداخل الغربي من خلال الدولة العلمانية المركزية (المطلقة) وحسب وإنما طُبِّقت أيضاً على الخارج الأوربي من خلال جيوش أوربا والغزو الثقافي. ومن ثم، فنحن نرى إمكانية كتابة تاريخ موحَّد لكلٍ من العلمانية والإمبريالية والديموقراطية والفلسفة الغربية الحديثة والتحديث والحداثة وما بعد الحداثة، وذلك إن تبنينا تعريفاً مركباً للنموذج المعرفي العلماني. ونحن نستخدم كلمة «علمنة» أو «علمانية» أو «رؤية معرفية علمانية» من قبيل الاختصار، إذ أن ما نعنيه هو رؤية معرفية علمانية إمبريالية ترمي إلى غزو العالم (الغربي والشرقي) وحوسلة الإنسان في الشرق والغرب. وعلى هذا، فإن هذه الرؤية هي نظرية لا تُفسِّر فقط تاريخ أوربا في العصر الحديث وإنما تطمح إلى