للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واليهودية في تصورنا تختلف عن المسيحية والإسلام في هذا المضمار. فهي تشبه التركيب الجيولوجي المكون من طبقات مستقلة، تراكمت الواحدة فوق الأخرى، ولم تُلْغ أية طبقة جديدة ما قبلها. وهي طبقات تتجاور وتتزامن وتوجد معاً لكنها لا تتمازج ولا تتفاعل ولا تُلغي الواحدة منها الأخرى ولا يتم استيعابها في إطار مرجعي واحد. وقد سُمّيت كل هذه الطبقات بـ «الدين اليهودي» .

ومع أن عبارة «التركيب الجيولوجي التراكمي» من صياغتنا نحن، إلا أن التشبيه نفسه مُتضمَّن فيما يُسمَّى «نقد العهد القديم» حيث يفترض دارسو العهد القديم أنه تَكوَّن من تراكم مصادر مختلفة (طبقات جيولوجية مختلفة) لكلٍّ رؤيته ومصطلحه، ولكلٍّ أسلوبه ولغته، بل عقيدته، ولكلٍّ مؤلّفه أو مدوّنه، وأن هذه الطبقات أو المصادر تراكمت الواحدة فوق الأخرى وتعايشت جنباً إلى جنب. وقد حدد البعض المصادر الأساسية بأربعة مصادر، وحددها آخرون بثمانية، كما بيَّن بعض النقاد أن بعض المصادر قد فُقدت ولكن بالإمكان التعرف عليها من خلال النصوص الموجودة. كما أن ترجمات العهد القديم، ومخطوطات البحر الميت، تشكل شواهد على تركيب اليهودية الجيولوجي التراكمي وعلى التناقض بين المصدر اليهوي (الحلولي) والمصدر الإلوهيمي (التوحيدي أو شبه التوحيدي) الذي وضحه نقاد العهد القديم، الأمر الذي يبين إدراكهم للخاصية الجيولوجية بدون تسميتها. وفي تصورنا، فإن ما يراه نقاد العهد القديم منطبقاً عليه وحده ينطبق في الواقع، وبشكل أكثر حدة، على مختلف الكتب اليهودية المقدَّسة الأخرى وشبه المقدَّسة. فالتلمود يفوق في ضخامته العهد القديم، وهو بكل تأكيد تركيب جيولوجي تراكمي يتسم بدرجة هائلة من عدم التجانس ومن التنافر بين أجزائه. فهو كتاب دين واقتصاد وطب وسحر وتقوى دينية راقية وإيمان بالمساواة بين البشر نابعة من درجة عالية من التوحيد وعنصرية شرسة نابعة من رؤية حلولية موغلة في الحلول والكمون. أما

<<  <  ج: ص:  >  >>