ولعل أصدق مَثَل على مانقول هو الفرق بين فكر موسى بن ميمون والقبَّالاة اللوريانية. ففكر ابن ميمون فكر توحيدي راق متأثر بالتوحيد الإسلامي، وقد صاغ أصول الديانة اليهودية على أساس هذا التوحيد، هذا على عكس القبَّالاه اللوريانية التي طرحت تصوراً للإله والكون ينطوي على كثير من الحلولية الوثنية والشرك ويحتوي على أصداء كثيرة (مشوهة) لعقائد الصلب والتثليث المسيحية. ورغم التناقض الشديد والعميق والجوهري بين الرؤيتين، فإن النسق الديني اليهودي قد استوعب هذه العقائد وجعل الإيمان بها شرطاً للإيمان، بينما يتحدث ابن ميمون عن إله واحد، وتتحدث القبَّالاه اللوريانية عن إله يتكون من أب وأم يتزاوجان، وعن تجلٍّ إلهي يأخذ شكل الشخيناه (التعبير الأنثوي عن الذات الإلهية) التي تجلس إلى جواره على العرش ويتخاطب معها، ولكننا نكتشف أيضاً أنها الشعب اليهودي. ولذا حينما يُنفى هذا الشعب تُنفي معه الشخيناه. وقد حل محل كل هذا الفكر الديني اليهودي الحديث الذي يعبِّر عن حلولية بدون إله (وحدة الوجود المادية) ، حيث يحل الإله في المادة ويتوحد معها ثم يموت داخلها ولا يبقى سوى المقدَّسات المادية (بدون إشارة إلى إله متجاوز أو كامن) .