وقد ظلت اليهودية، رغم هذا التناقض، نسقاً دينياً يتعايش داخله هذا التناقض وتترسب فيه أفكار دينية أخرى (بالطريقة الجيولوجية التكاملية) . وظلت مجموعة من الممارسات الدينية، مثل الأوامر والنواهي، تستند إلى فتاوى الحاخامات أو إلى قرارات السلطة الدينية المركزية دون أن تكون هناك أركان واضحة للإيمان تنبع منها الممارسات. وظلت اليهودية عبر تاريخها مجموعة من الشعائر والممارسات، ودون تحديد للعقائد. وقد عرَّف المشرعُ اليهوديَ بأنه كل من وُلد لأم يهودية، فكأنه لا يحتاج للإيمان بعقيدة. وجاء في كتاب السنهدرين ٤٤أ "حتى حينما يرتكب الإثم فهو يظل يهودياً".
ومع هذا، كانت اليهودية تواجه تحديات دينية من الخارج حينما تجد نفسها في مواجهة حضارة أكثر تركيباً وحين تواجه نسقاً دينياً أكثر تحدداً وتجانساً. فكانت تضطر إلى أن تحدد أركانها. ولذا، نجد أن تحديد العقائد في غالب الأمر هو جزء من الاعتذاريات اليهودية ومحاولتها الدفاع عن نفسها أمام الأنساق الحضارية والدينية الأخرى. وهذا ما حدث إلى حدٍّ ما في المواجهة مع الحضارة الهيلينية، إذ حاول فيلون السكندري أن يحدد ما تصوره أركان الإيمان الأساسية بخمسة:
١ ـ الإله موجود ويحكم العالم.
٢ ـ الإله واحد.
٣ ـ العالم مخلوق.
٤ ـ العالم واحد.
٥ ـ الإيمان بالعناية الإلهية.
ويبدو أن الفكر الديني اليهودي قد أخذ يتحدَّد بعض الشيء في القرن الأول قبل الميلاد إذ يشير يوسيفوس إلى أن الصراع بين الصدوقيين والفريسيين كان صراعاً عقائدياً بالدرجة الأولى ويدور حول قضايا مثل الإيمان بالعالم الآخر والشريعة الشفوية والقدرية، وهل هي مطلقة أم جزئية.
ومع ظهور المسيحية، تقهقر الفكر الديني اليهودي مرة أخرى، وبدأت اليهودية الحاخامية التلمودية في التشكل حتى أخذت شكلها النهائي في التلمود. وثمة محاولة واهية، في هذا الكتاب الضخم، لتحديد أصول الدين في كتاب السنهدرين إذ يستبعد من حظيرة الدين: