والعقيدة اليهودية، في إحدى طبقاتها، توحيدية تؤمن بإله واحد يتجاوز المادة، منزَّه عن مخلوقاته يقف وراء الطبيعة والتاريخ يحركهما، ولا يُرَدُّ إليهما. ولكن اليهودية تركيب جيولوجي تراكمت داخله عدة طبقات متناقضة. وفي بعض هذه الطبقات، نجد أن اليهودية تأثرت بالتشكيل الحضاري السامي الوثني، ودخلت عليها عناصر وثنية حلولية عديدة وجدت طريقها إلى العهد القديم عند تسجيله مثل: فكرة الشعب المختار المرتبط بأرض مقدَّسة والمتمركز حول ذاته، وفكرة الميثاق بين الإله وشعب بعينه، وتَزايُد الشعائر وخصوصاً شعائر الطهارة، وتَداخُل العناصر الكونية مع العناصر الدينية في الأعياد اليهودية، وتَراجُع فكرة البعث واهتزاز الأفكار الأخروية. وعلى هذا، فإن العهد القديم يُعَدُّ وثيقة صراع بين اتجاهين: اتجاه توحيدي عالمي أخلاقي متسام يؤمن بإله يسمو على العالمين، ولا يفضل قوماً على قوم إلا بالتقوى، وهو الاتجاه الذي حمل لواءه الأنبياء والرسل. أما الاتجاه الآخر فهو اتجاه وثني حلولي قومي تخصيصي يرى إله اليهود إلهاً يحل فيهم وحدهم، فهو مقصور عليهم يحابيهم ويعطف عليهم ويعصف بأعدائهم، ويرى اليهود أنفسهم شعباً مقدَّساً يشغل مركز الكون.