ويمكن القول بأن النمط الحلولي الذي ساد العقيدة اليهودية هو النمط الثنائي الصلب (المرتبط بوجودهم كجماعات وظيفية) . ومع هذا، كان النمط الشامل السائل (الروحي أو المادي) كامناً من البداية. ففلسفة إسبينوزا (الحلولية المادية) وحركة شبتاي تسفي ثم الحركتين الفرانكية والحسيدية (الحلولية الروحية) تقوم بتفكيك الإنسان ورده إلى كل أكبر منه. ثم أخذت معدلات الحلولية المادية والحلولية الروحية في التصاعد بعد القرن الثامن عشر. ويبدأ الإله في الشحوب (اليهودية الإصلاحية) ، إلى أن يختفي تماماً أو يكاد (اليهودية المحافظة بشكل مبهم ـ اليهودية التجديدية بشكل واضح) ويُعلَن موت الإله ونهاية المركز (لاهوت موت الإله ـ يهودية ما بعد الحداثة) . والصهيونية شكل من أشكال الحلولية الثنائية الصلبة المادية، وهي من ثم تنتمي إلى النمط نفسه الذي تنتمي إليه النازية والقوميات العضوية.
وشيوع الحلولية في النسق الديني اليهودي لم يكن مجرد امتداد للحلولية الكامنة في التوراة والتلمود، فثمة عنصر ساعد على تعميق هذه الحلولية وعلى تكثيفها ثم تفجُّرها وشيوعها بين أعضاء الجماعات اليهودية وهو وضع اليهود في الحضارة الغربية كجماعات وظيفية وسيطة. فأعضاء الجماعة الوظيفية الوسيطة ينزعون دائماً منزعاً حلولياً في رؤيتهم للكون، فهم يرون أن الإله يحل فيهم، ولذا فهم ـ حسب ظنهم ـ يتمتعون بقداسة خاصة تعزلهم عن المجتمع. ومن ثم، فإن أعضاء الجماعات اليهودية ساهموا في ظهور العلمانية (وهي وحدة وجود مادية) بشكل غير مباشر وغير واع من خلال نشر الرؤية الحلولية.
الثنائية الصلبة (حتى نهاية القرن التاسع عشر)
(Solid Dualism (to the End of the Nineteenth Century