وكانت الجماعات اليهودية من أكثر الجماعات تأثراً بهذه التحولات (تماماً كما حدث لها في العالم الغربي بسبب ظهور الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية والدولة القومية والرأسمالية الرشيدة والتشكيل الاستعماري الغربي) . وقد كان اليهود من أكثر الجماعات انتشاراً في المدن الإغريقية، ومن المعروف أنه في المائة الأخيرة قبل الميلاد، كان عدد اليهود في الإسكندرية أكثر منهم في القدس، كما كان عدد اليهود خارج فلسطين أكثر منهم في داخلها. وقد اندمج اليهود في الحضارة الهيلينية بشكل سريع، وفقدت أعداد كبيرة منهم هويتها، وأصبحت النخبة الاقتصادية بينهم من كبار ملاك الأراضي ومحصلي الضرائب والكهنة مُستوعَبين في النسق الحضاري الهيليني. وقد تُرجم العهد القديم إلى اليونانية، إذ أن أعضاء الجماعة اليهودية في الإسكندرية نسوا العبرية، وقام مفكرون مثل فيلون بمحاولة المزاوجة بين الهيلينية والتفكير الديني اليهودي. وقد حقَّق اليهود حراكاً اجتماعياً هائلاً، فكان منهم الجنود والشرطة وقادة الجيش وجامعو الضرائب وكبار التجار. ثم جاءت الدولة الرومانية لتحطم الهيكل، مركز العبرانيين الثقافي والديني، وهي تجربة جاءت بعد التهجير إلى بابل بعد هزائم متكررة لحقت بالشعب المختار. وقد حقَّقت قلة من اليهود، وخصوصاً العناصر المتأغرقة، مزيداً من الحراك (مثل تايبيريوس يوليوس ألكسندر، ابن عم الفيلسوف فيلون وأحد القادة العسكريين في حملة تيتوس لتحطيم الهيكل) . وتحوَّل بعضهم من جماعة وظيفية قتالية إلى جماعة وظيفية تجارية. أما غالبية أعضاء الجماعات اليهودية، فوجدوا أنفسهم في عزلة بعد أن فقدوا هويتهم وعلاقتهم بفلسطين، ووجدوا أنفسهم في حالة صراع مع الأرستقراطية اليونانية إذ آثر الرومان التعامل مع اليونانيين على التعامل مع أعضاء الجماعات اليهودية. وقد كان على كثير من يهود الإسكندرية وفلسطين وغيرهما من البلاد التي تدور في الفلك الروماني أن