للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و) ولأن الشر في العالم ليست له علاقة بالأخلاق، فإن الخلاص لا يتم من خلال التوبة والغفران وإنما من خلال البحث عن الصيغة السحرية المناسبة. والقبَّالاه ليست تمارين أخلاقية تهدف إلى كبح جماح الجسد أو إلى تهذيب نفس المؤمن وإنما تهدف إلى حل طلاسم الروح والعالم وكلمات التوراة للوصول إلى الخالق والقوة الحيوية في الكون وإلى التوراة الخفية أي الغنوص التي عن طريقها يمكن التحكم في العالم. والإصلاح (تيقون) يتم من خلال اتباع اليهود الأوامر والنواهي التي تحولت إلى شعائر مجردة تشبه التعويذات والصيغ الدقيقة، وما يهم فيها هو طريقة أدائها لا مضمونها الأخلاقي. بل إن المضمون الأخلاقي نفسه قد طُمس تماماً وحل محله مضمون ميتافيزيقي (بغير أخلاق) فهي تهدف إلى تقريب اليهود من الخالق للتعجيل بالخلاص ولتحقيق «يحود» ، وهي كلمة عبرية تعني التوحد مع الخالق (وتعني أيضاً الجماع الجنسي) . والغنوصية والقبَّالاه، في هذا، يشبهان تماماً العلم الحديث بنزعته الفاوستية للتحكم في العالم من خلال الصيغ الدقيقة، وهو يقدم ميتافيزيقا (ضرورة التحكم في العالم) دون أية أعباء أخلاقية.

ز) المخلّص في المنظومة الغنوصية شخصية عجائبية، تتجاوز قوانين الطبيعة، وهو شخصية أزلية أبدية تتجسد من خلال شخصيات تاريخية (زائلة) يأتي هو لها بالعرفان الثابت. والماشيَّح في اليهودية (والقبَّالاه) شخصية عجائبية. وتتسم اليهودية بتعدد المشحاء الدجالين باعتبار أن كل واحد منهم هو تَجسُّد زمني للإله ويحمل العرفان. ويمكن القول بأن تقاليد النبوة المفتوحة في اليهودية تعبير عن النمط نفسه، نمط الحلول والوحي المستمر عبر التاريخ. وشخصية التساديك في المنظومة الحسيدية تعبير متطرف عن هذا النمط من التجسد المستمر للماشيَّح في التاريخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>