الحاخام كوك (الأب الروحي والفكري لجماعة جوش إيمونيم) ، على سبيل المثال، أن روح الإله وروح يسرائيل شيء واحد، أي أن الشعب في قداسة الرب، فإن فلاديمير جابوتنسكي يشير إلى الشعب اليهودي بوصفه ربه، ويشير موشيه ديان إلى الأرض باعتبارها ربه. وصياغة كوك الدينية وصياغة جابوتنسكي وديان الإلحادية متشابهتان تماماً في بنيتهما، فكلتاهما تنتهيان إلى شعب مقدَّس له حقوق مطلقة في أرضه المقدَّسة، فهو شعب حل الإله فيه وفي أرضه، حسب صياغة كوك، وهو شعب/إله وأرض/إله في صياغة الملحدين، والفارق بين الصياغتين أمر شكلي.
وقد قال نوفاليس إنه لا يوجد فرق كبير بين أن أقول "أنا جزء من الإله" أو "الإله جزء مني". ولا فرق بين أن أقول "إن الله هو العالم أو أن العالم هو الله". ويمكننا القول بأنه لا يوجد فرق كبير بين أن يقول الصهيوني المتدين الإله هو الشعب وأن يقول الصهيوني الشعب هو الإله فالمسافة بين الكل والجزء تختفي فيصبح الكل هو الجزء، ويصبح الشعب هو الإله.
وعلمنة الحلولية اليهودية على يد الصهيونية، لم يكن أمراً فريداً وإنما كان متسقاً تمام الاتساق مع واحد من أهم إنجازات الغرب الفلسفية في العصر الحديث، أي اكتشاف تَرادُف وحدة الوجود الروحية ووحدة الوجود المادية، بحيث أصبح من الممكن الحديث عن الذات بلغة الموضوع وعن الموضوع بلغة الذات، وعن المقدَّس بلغة الزمني وعن الزمني بلغة المقدَّس، وعن الروحي بلغة المادي وعن المادي بلغة الروحي، وهو الإنجاز الذي وضع أسسه إسبينوزا وعمَّقه هيجل ووصل به إلى ذروته وأشاعه إلى درجة أن الخطاب الفلسفي الغربي أصبح في معظمه خطاباً حلولياً، سواء بين المتدينين أو بين العلمانيين.