من الشائع أن يقرن الدارسون تاريخ العبرانيين وتواريخ الجماعات اليهودية من جهة بتاريخ العقيدة (أو العقائد) اليهودية من جهة أخرى، وكذلك أن يوحدوا بينهما وكأنهما شيء واحد. وهو اتجاه ساعد عليه ما يمكن تسميته «التاريخ المقدَّس» أو «التاريخ التوراتي» ، أي القصص التي وردت في التوراة على هيئة تاريخ. ونحن نرى ضرورة فصل تواريخ الجماعات اليهودية في العالم عن تاريخ العقيدة أو العقائد اليهودية، وذلك لاعتبارات منهجية وموضوعية، إذ أن الخلط بينها هو خلط بين مجالين مختلفين يؤدي إلى كثير من التشوش وعدم الفهم. وقد اعتاد الكثيرون النظر إلى اليهودية كما لو أنها عقيدة متكاملة وبناء ديني متكامل اتضحت معالمه الأساسية منذ ظهوره، وكما لو أن هذا البناء ظل محتفظاً بهذه السمات حتى الوقت الحاضر (كما هو الحال إلى حدٍّ كبير مع الإسلام والمسيحية على سبيل المثال) . وهذا مناف للواقع، فتاريخ اليهودية طويل إلى أقصى حد. وقد مرت اليهودية كعقيدة بعدة تطورات عميقة غيَّرت طبيعتها وتوجهاتها شكلاً ومضموناً. هذا على الرغم من وجود أطروحات أساسية متواترة، مثل العهد والشعب المختار، تخلع عليها نوعاً من الوحدة. بل إن ثمة ظاهرة تنفرد بها اليهودية وهي ما يمكن تسميتها «الخاصية الجيولوجية التراكمية» ، أي أن اليهودية تشبه التركيب الجيولوجي المكوَّن من طبقات مختلفة غير متجانسة تراكمت الواحدة فوق الأخرى عبر الزمان دون أن تمتزج. فاليهودية استوعبت عناصر مختلفة عديدة، ولكنها لم تمزجها ولم تفرض عليها حداً أدنى من الاتساق الداخلي. ولذا فإننا نجد أن هناك أفكاراً توحيدية متطرفة عند الأنبياء، وأفكاراً حلولية متطرفة عند القبَّاليين وصفها الحاخامات بأنها شكل من أشكال الشرك. ونجد رؤى متناقضة تماماً للإله فيما يتصل بمفاهيم مثل البعث والثواب والعقاب. كما دخل اليهودية كثير من المعتقدات الشعبية التي هي أقرب إلى الفلكلور. وربما كانت هذه السمة