وفي القرن السادس، تم تدوين التلمود الذي يتسم بزيادة الاتجاه نحو الحلولية والنزعة القومية، والذي ينسب إلى الإله صفات بشرية عديدة. ولم تَعُد القدس مركزاً دينياً وحيداً، بل أصبحت هناك مراكز عديدة منفصلة يقودها الحاخامات. ويُعدُّ هذا تاريخ ظهور اليهودية الحاخامية، وهي اليهودية التي انتشرت بين أعضاء الجماعات اليهودية حتى نهاية القرن التاسع عشر. ومن المشاكل الأساسية التي واجهتها اليهودية بدءاً من هذه الفترة أنها كانت ديانة توحيدية أو شبه توحيدية في تربة وثنية تكتسب هويتها من وحدانيتها وتحارب ضد الأسطورة والحلولية، ولكنها وجدت نفسها في تربة توحيدية، إسلامية أو مسيحية، ولذا عدَّلت إستراتيجيتها، وأخذت تتجه نحو الأسطورة والتعددية. ووصل هذا الاتجاه إلى قمته في القبَّالاه.
٣ ـ اليهودية الحاخامية، من القرن السابع الميلادي (بعد تدوين التلمود) حتى منتصف القرن السابع عشر (هيمنة القبَّالاه)(المواجهة الرابعة مع الديانات التوحيدية: المسيحية والإسلام) .
في هذه الفترة، تحوَّل اليهود إلى جماعات متفرقة لا تعمل بالزراعة، الأمر الذي ترك أثراً عميقاً في التركيب الطبقي والوظيفي لليهود إذ أصبحوا جماعات وظيفية وسيطة، خصوصاً في العالم الغربي. وقد تدعَّم مركز الحاخامات، الذين حلوا محل الكهنة، واكتملت المعالم الأساسية للتفسيرات الحاخامية التي تُسمَّى «الشريعة الشفوية» . وأخذ الفكر الديني اليهودي في الضمور في الغرب خلال العصور الوسطى في الغرب، بينما نجده ينفتح ويتطور نتيجة احتكاكه بالفكر الإسلامي التوحيدي، العقلاني والصوفي، وهذه هي المواجهة الرابعة مع الحضارة الإسلامية. وبلغ الانفتاح والتطور ذروته في كتابات موسى بن ميمون الذي قدَّم أول تحديد لأصول الدين اليهودي. وقد ظهر، تحت تأثير الفكر الإسلامي، الاحتجاج القرّائي (العقلاني) ورفض الشريعة الشفوية.