للعبادة القربانية المركزية، ولكنها كما قلنا عبادة دون إله، الأمر الذي يعني تأليهاً متطرفاً للذات القومية.
٦ ـ إعادة تأكيد الانتماء الديني مقابل الانتماء الإثني: في السبعينيات، بدأت تظهر مؤخراً حركات بين اليهود لا ترفض الصهيونية علناً، ولكنها تحاول التملص منها، وتؤكد ضرورة الاحتفاظ بالانتماء الديني مستقلاً عن الانتماء الإثني أو القومي أو السياسي. وأعضاء هذه الحركات يخشون اقتران اليهودية بالصهيونية اقتراناً كاملاً قد يقضي عليها. ولذلك، فهم يصرون على مركزية الدياسبورا (الجماعات) مقابل المفهوم الصهيوني الخاص بمركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا، ومن أهم دعاة هذا الاتجاه الحاخام جيكوب نيوزنر أكبر علماء التلمود المعاصرين. كما ظهر ما يُسمَّى «لاهوت التحرير» الذي يُطوِّر كثيراً من هذه المفاهيم، فدعاة لاهوت التحرير يرفضون تقديس التاريخ اليهودي والمزاوجة بين القومي والمقدَّس، وهم من ثم يرفضون اعتبار العقائد أو الدولة الصهيونية مطلقات. بل إنهم يطالبون اليهود بألا يتذكروا ضحايا الإبادة من اليهود وحسب وإنما أن يتذكروا أيضاً الضحايا من غير اليهود. أما الدولة الصهيونية، بالنسبة لهم، فهي قد حلت بالفعل مشكلة العجز بسبب غياب السيادة ولكنها استخدمت سلطاتها في حرق البشر وفي كسر عظام الأطفال، وأصبح بقاؤها مرهوناً بموت الأطفال الفلسطينيين، ولذا يتعيَّن على اليهود أن يتذكروا ضحايا الصهيونية، وإذا كانوا يساندون هذه الدولة فيتعيَّن عليهم أيضاً التمسك بالقيم الأخلاقية المطلقة ومحاكمة هذه الدولة من خلال هذه القيم.
ويُلاحَظ أن التناقض بين لاهوت موت الإله ولاهوت التحرر هو نفسه التوتر القديم بين الكهنة والأنبياء وبين دعاة الانغلاق الوثني والانفتاح الأخلاقي العالمي، فكأن اليهودية لا تزال في حالة التوتر الأولى، وهذا يعود ولا شك إلى تركيبتها الجيولوجية التراكمية.