«ما بعد الصناعي» ترجمة لكلمة «بوست إندستريال post-industrial» ، ومنها عبارة «المجتمع ما بعد الصناعي» . وقد استخدم بعض المفكرين هذا المصطلح منذ بداية هذا القرن. ومن أهم هؤلاء النقابي الاشتراكي آرثر بنتي الذي ذهب إلى أن ماركس كان يبالغ أحياناً في التفاؤل بشأن منافع الآليات الجديدة رغم إشارته العابرة إلى بعض آثارها الضارة. ويرى بنتي أن الهدف المباشر للاشتراكية لابد أن يكون إخضاع الآلة لقواعد وأعراف (قيم) مُستخدم الآلة، وإلغاء تقسيم العمل المميِّز للمذهب الصناعي الذي أدَّى إلى تشتيت المهام التي كان يقوم بها الصانع وحده فيما مضى. ومن ثم، كان العمل في الماضي وسيلة لتكامل الشخصية، أما الآن فهو يؤدي إلى تفتيتها.
ويُلاحَظ أن ثمة تأكيداً في أقوال بنتي لأسبقية الإنسان على المادة، وللمرجعية الإنسانية النهائية، فهو يؤمن بإمكانية التغلب على حالة التفتت والاغتراب من خلال العودة إلى المجتمع الحرفي اللامركزي القائم على الورش الصغيرة حيث يسمو العمل بالنفس، وهذا في رأيه هو المجتمع ما بعد الصناعي.
ولكن مصطلح «ما بعد الصناعي» لا يُستخدَم في الوقت الحاضر بنفس المعنى السابق، إذ أصبح مرتبطاً بالجوانب السلبية في المجتمع. فقد وُصف المجتمع ما بعد الصناعي بأنه عالم تنتشر فيه المعلومات ويتقلص فيه الإحساس وتتحكم فيه وسائل الاتصال الإلكترونية في الإنسان. غير أن الاتصالات الكوكبية والعالم كقرية صغيرة (وكل تلك الأمور التي بشر بها مارشال ماكلوهين باعتبارها بداية عصر جديد سعيد) لن تؤدي بالضرورة إلى رفع قدرات الإنسان الإبداعية وسعادته بل قد تؤدي إلى سحقه وتشتُّته وتفتُّته. وقد وصف ألان تورين المجتمع ما بعد الصناعي بأنه مجتمع مُبرمَج، تهيمن عيه قوة تكنوقراطية.