وبطبيعة الحال، لم يذكر بن جوريون شيئاً عن اغتصاب الصهاينة للأرض الفلسطينية وعن الإرهاب الصهيوني لأهلها. بل إن فلسفة بوبر الحوارية هي تعبير مصقول عن فكرة الاختيار، فالحوار الحق ممكن بين الإله واليهود، أساساً بسبب التشابه بينهما، وهو أمر ليس متاحاً لكل الأمم.
ومرة أخرى، تظهر فكرة الاختيار كسر من الأسرار الدينية في لاهوت موت الإله ولاهوت ما بعد أوشفيتس، الذي يجعل الإبادة النازية حدثاً كونياً لا يمكن سَبْر أغواره، ويجعل الدولة الصهيونية نقطة الخلاص التي يتجسد من خلالها الشعب المقدَّس. ولا يزالون في إسرائيل، وفي الأوساط الصهيونية، يتحدثون عن ذكاء اليهود، وعن النسبة غير العادية من اليهود الحاصلين على جوائز نوبل، باعتبار أن هذه الصفات الإيجابية نابعة من الخصوصية اليهودية أو الجوهر اليهودي أو الطبيعة اليهودية داخل الأفراد.
ولكن ثمة تياراً داخل الصهيونية يرى أن هدفها هو تطبيع اليهودي، أي تحويله من إنسان مقدَّس إلى إنسان سوِّي عادي يعيش في دولة قومية شأنه شأن الشعوب الأخرى.
وقد ساهمت فكرة الاختيار هذه في نشر كثير من الأوهام والشائعات عن أعضاء الجماعات اليهودية، مثل: بروتوكولات حكماء صهيون، والمؤامرة اليهودية الكبرى أو العالمية. وقد ظهر مؤخراً لاهوت التحرير الذي يقلِّص النزوع الحلولي. وبالتالي، يتحول مفهوم الاختيار من مفهوم مطلق وسر من الأسرار إلى عملية تكليف ديني وإلزام خُلقي.