وقد رصد يورجين هابرماس (١٩٢٩ـ) ، آخر ممثلي مدرسة فرانكفورت، ظاهرة العقل الأداتي وترويض الإنسان في المجتمعات الحديثة وسماها «استعمار عالم الحياة»(أي عالم الوجود المُتعيِّن المُعاش الذي تُوجَد فيه الذات وتتفاعل معه وتستمد وجودها منه) . فالترشيد الأداتي والحوسلة المتزايدة لمجالات متنامية في الحياة الاجتماعية، من قبَل الأنظمة والمؤسسات الاقتصادية والسياسية والإدارية، يؤدي إلى استعباد الإنسان وإلى تقليص عالم الحياة وهيمنة عالم الأداة واستبعاد كثير من جوانب حياته الثرية وإمكانياته الكامنة المتنوعة (أي أن العقل الأداتي يؤدي إلى هيمنة الواحدية الموضوعية المادية، إن أردنا استخدام مصطلحنا) .
العقل النقدى
«العقل النقدي» ترجمة للمصطلح الإنجليزي «كريتيكال ريزون critical reason» و «العقل النقدي» هو المفهوم الأساسي في كتابات مفكري مدرسة فرانكفورت (النظرية النقدية) ويُقال له أيضاً «العقل الكلي» أو «العقل الموضوعي»(مقابل «العقل الأداتي» أو «العقل الجزئي» و «العقل الذاتي» ) . وكلمة «نقدي» هنا مبهمة إلى حدٍّ ما، وتعود إلى مفهوم كانط في النقد. فكانط كان يرى عمله باعتباره جزءاً من المشروع التنويري الغربي الذي رفض جميع الحجج التقليدية القائمة وأخضع كل شيء للنقد. ولكنه لم يتوقف عند هذا الحد وإنما أخذ خطوة للأمام وأخضع العقل للعملية النقدية نفسها، أي أن كانط أخضع أداة الاستنارة الكبرى للنقد وبيَّن حدودها الضيقة، متجاوزاً بذلك عقلانية عصر الاستنارة، أي أن هناك عقلانيتين: عقلانية مباشرة سطحية، وعقلانية أكثر عمقاً، وهذا هو الذي ترجم نفسه إلى عقلانية العقل الأداتي وعقلانية العقل النقدي.