ويمكن القول بأن مؤسسة النبوة هي محاولة لحصار الحلولية الوثنية وإحلال رؤية أكثر توحيدية محلها، وذلك بطرح طريقة أكثر نقاءً وتجريداً لتواصل الخالق مع مخلوقاته. وكانت فكرة النبوة شائعة بين الشعوب السامية في بلاد الرافدين (في ماري) وفي كنعان. ويبدو أن النبوة (أو ما يُقال له النبوة) لعبت دوراً أساسياً ومهماً ومركزياً بين العبرانيين القدامي (جماعة يسرائيل) . ولكن مفهوم النبوة في هذه الحضارات السامية، وضمنها الحضارة العبرانية، كان مُختلَطاً إذ كانت شخصية النبي تختلط بشخصية الكاهن والعراف.
ولفهم مفهوم النبوة عند العبرانيين، قد يكون من المفيد الإشارة إلى مقطوعة في سفر الخروج (١٩/٢٠ ـ ٢٥) ترد فيها هذه الحادثة: "ونزل الرب على جبل سيناء إلى رأس الجبل. ودعا الإله موسى إلى رأس الجبل، فصعد موسى فقال الرب لموسى انحدر حذِّر الشعب لئَلا يقتحموا إلى الرب لينظروا فيسقط منهم كثيرون. وليتقدس أيضاً الكهنة الذين يقتربون إلى الرب لئَلا يبطش بهم الرب. فقال موسى للرب لا يقدر الشعب أن يصعد إلى جبل سيناء لأنك أنت حذَّرتنا قائلاً أقم حدوداً للجبل قدَّسه. فقال له الرب اذهب انحدر ثم اصعد أنت وهارون معك. وأما الكهنة والشعب فلا يقتحموا ليصعدوا إلى الرب لئَلا يبطش بهم. فانحدر موسى إلى الشعب".