للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتدوين الكلمة مسألة في غاية الأهمية، لأنها تعني أن الرسول ليس سوى أداة تحمل الرسالة، فالرسالة حينما تُدوَّن تنفصل عن حاملها الذي يفقد أهميته، ويتم التركيز على القول نفسه، أي على اللوجوس بالمعنى الحرفي. بل إن الكلمة ـ لأنها مدوَّنة ـ تخضع لتفسير من يقرؤها. ولكل هذا، يُلاحَظ أنه بعد أن يقوم موسى بدور الرسول، يتم تدوين الرسالة على الفور على لوحين (بل يُقال إن الرسالة أتته مدوَّنة أو أن الإله دوَّنها بنفسه على اللوحين) . وجوهر الرسالة هو الوصايا العشر التي تبدأ بتأكيد وحدانية الإله وتنزُّهه عن المخلوقات، ففكرة النبوة قد تحددت من البداية بأنها: انحسار الحلولية، وظهور التوحيد، واختفاء الكهانة، وظهور النبي، وضمور الشعائر، وتأكيد الالتزام الخلقي، وتجاوز القومية، والصعود إلى العالمية، ونبذ المباشر والجسدي والمادي، وتبنِّي غير المباشر والمتجرد والمنزه. ويذهب نُقَّادُ العهد القديم إلى أن هذه الفقرات التي تُنسَب إلى موسى ليست سوى إضافات قام بها محررو العهد القديم لينسبوا إلى عصر سابق فكرة لاحقة ظهرت في عصر لاحق، أي أنها فقرات كتبها أحد كتاب أسفار الأنبياء ليضفي رؤية الأنبياء التوحيدية على أسفار موسى الخمسة.

ومهما يكن الأمر، فإن الأمور، مع بداية تأسيس الدولة العبرانية المتحدة، كانت مختلطة تماماً. ولذا، فقد سقطت اليهودية مرة أخرى في العبادة القربانية والحلولية الوثنية الأولى، وكان يُشار إلى النبي بأربعة مُصطلَحات متناقضة يتبدى من خلالها تركيب اليهودية الجيولوجي التراكمي:

١ ـ «حوزيه» ، أي «رائي» ، وهو الشخص الذي يتنبأ بالغيب ويخبر بما سيكون، حسب علامات معروفة تلقى دلالاتها وتأويلاتها من السابقين، فهو حكيم وساحر وعراف وكاهن أكثر من «نبي» (مثل «الرائي» أو «الكاهن» العربي قبل الإسلام) .

٢ ـ «روئيه» ، أي «رائي» ، وهو لا يختلف كثيراً عن الحوزيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>