للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتصفت نبوءته بالآلام والمرارة، ولكنه يطرح رؤية جديدة تماماً للتجربة الدينية يتجاوز بها الحلولية المادية الوثنية ويصل بها إلى التوحيدية الحقة إذ ينقلها من عالم الظاهر إلى عالم الباطن، ومن عالم القرابين إلى عالم القلب والحياة، ومن عالم المسئولية الجماعية إلى عالم المسئولية الأخلاقية الفردية. فالإله لا يطلب الذبائح فحسب، بل يطلب الطاعة الداخلية، فهو يريد من البشر حياة أخلاقية رفيعة (٧/٢١ ـ ٢٣) : «محرقاتكم غير مقبولة وذبائحكم لا تلذ لي» ٦/٢٠) . والإله لا يرضى إلا عن ذبائح المستمع المطيع (١٧/٢٤ ـ ٢٧) . وسيأتي وقت لا يُذكَر التابوت فيه (٣/١٦) ، وإنما ينظر الإله إلى القلب وحسب (١٧/١٠، ٢٠/١٢) . وقد تنبأ إرميا بالعهد الجديد، حين يكون للشعب قلب جديد، وتُكتَب شريعة الرب في هذا القلب (٢٤/٧) . غير أن ما يتوَّج سفر إرميا هو ما جاء في الإصحاح ٣١ في الفقرتين ٣١ ـ ٣٣ إذ يقطع يهوه عهداً جديداً مع شعبه حيث يجعل شريعتهم في نفوسهم ويكتبها على قلوبهم، وليس على ألواح حجرية (لوحى الشريعة) كما حدث في عهد آبائهم. ومن هنا يعلن مبدأ المسئولية الفردية.

وقد ارتفع إرميا بفكرة الإله من مستوى الفكر القومي الضيق إلى مستوى الفكر العالمي، حيث تصبح العقيدة ديانة شخصية يعتنقها الفرد بعد أن يتوب إلى الإله ويرجع إليه، وتصبح الأساس الذي ينبني عليه العهد الجديد. وتصبح عبادة عالمية تتبعها كل الشعوب (٣/١٧) ، وسيعترفون بأن آلهتهم أكاذيب لا قيمة لها (١٦/١٩ ـ ٢٠) .

حبقوق (حوالي ٦٠٥ ق٠م)

Habkuk

<<  <  ج: ص:  >  >>