«اليهودية المعيارية» صياغة أخرى لمصطلح «اليهودية الكلاسيكية» أو «اليهودية الحاخامية والتلمودية» ، وهو مصطلح يستند إلى تصوُّر أن ثمة جوهراً ثابتاً لليهودية، فلُب اليهودية (حسب هذا التصور) متفق عليه، وهو أن عدم التجانس لا ينصرف إلا إلى الأفكار الفرعية، وأن العقائد اليهودية الأساسية أمر مستقر ومحدد. ولكن، نظراً لتركيب اليهودية الجيولوجي التراكمي، فإن هذا الجوهر من الصعب الوصول إليه، إذ يصعب تقرير الأساسي والفرعي وتمييز اللباب عن القشور. والواقع أن ما يراه مفكر ما لب اليهودية، يجده آخر أمراً ثانوياً، وقد تكون التصورات اليهودية الخاصة بالإله وتأرجحها بين التوحيد والحلولية مثلاً جيداً على ذلك. ويرفض كثير من المفكرين اليهود المحدثين فكرة اليهودية المعيارية مفضلين رؤية اليهودية ككيان عضوي متطور منفتح يتغيَّر بتغيُّر الظروف والبيئة، أي أنها نسق فكري (تاريخاني) غير متجاوز للزمان والمكان.
ولعل في افتقار اليهودية إلى المعيارية ما جعل بوسع الصهيونية أن تبحث لنفسها عن شرعية من خلال الدين اليهودي نفسه، ثم تنجح في الاستيلاء على اليهودية ككل من خلال علمنتها من الداخل. وهذا أيضاً هو السبب في أن اليهودية التجديدية التي لا تؤمن بالإله أو تسوِّي بينه وبين فكرة التقدم وتقرنه به مازالت تستطيع أن تُطلق على نفسها مصطلح «يهودية» . وللسبب نفسه، فإن أكثر من خمسين في المائة من يهود العالم لا يؤمنون بالإله، ومع هذا يصرون على تسمية أنفسهم «يهوداً»(وإن كانوا يقرنون كلمة «يهودي» بكلمة «إثني» حتى يميِّزوا أنفسهم عن اليهود المتدينين أو المعياريين) .