ولكن الضربة القاضية جاءت مع حركة التنوير، فحركة التنوير بين أعضاء الجماعات اليهودية، في مراحلها الأولى، كانت ذات اتجاه ربوبي إصلاحي يهدف إلى إصلاح اليهودية دون التخلي عنها. ومن هنا وجَّه دعاة الحركة سهام نقدهم إلى التلمود وأنكروا قداسة الشريعة الشفوية ككل، وأصروا على اعتبار التلمود بمنزلة مجموعة من تفسيرات المشرعين والشارحين يرجع عهدها إلى فترة متأخرة، كما نفوا كل سلطة إلزامية، وأنه في واقع الأمر يعبر عن السلطة الحاخامية، وبينوا ما في التلمود من خرافات وحكايات شعبية تتنافى ـ في تصورهم ـ مع العقل.
وكان معظم هؤلاء النقاد ممن تلقوا تعليماً غربياً علمانياً، ولذا لم تكن لديهم الكفاءات الأكاديمية اللازمة لفَهْم التلمود أو تفسيره، ومع هذا استمروا في هجومهم الشرس الذي تصاعد بعد ذلك مع تصاعُد حدة حركة التنوير نفسها، التي انتقلت من مرحلة الربوبية إلى مرحلة إلحادية صريحة معادية لا للتفسيرات البشرية وحسب وإنما لأية نصوص مقدَّسة. وأعلن دعاة حركة التنوير أنه لا أمل يُرجى في تطوُّر اليهود إلا بالإطاحة بسلطة التلمود وبينوا للحكومات الغربية مدى خطورة هذا الكتاب وأنه سبب هامشية اليهود وتخلفهم. ولكن الحاخامات الأرثوذكس، أعضاء المؤسسة الدينية الحاخامية الذين كان يدور عالمهم حول التلمود وحده، والذين كانوا لا يعرفون الكثير عما يدور حولهم، ولا يدركون أهمية الإصلاح، دافعوا دفاعاً مستميتاً عن التراث التلمودي ووقفوا بشراسة ضد كل محاولات التطوير. وحينما حاولت حكومات شرق أوربا ووسطها تحديث اليهود، كان الجهد ينصب دائماً على التلمود فكان يُستبعَد تماماً من مدارس اليهود، كما كان يُحرَّم على اليهود أحياناً قراءته لأبنائهم قبل بلوغهم سن الرشد. وفي الوقت الحالي، فإن الأغلبية العظمى من أعضاء الجماعات اليهودية يرفضون التلمود بل يجهلون ما جاء فيه ولا يعرفون حتى حجمه.