وقد تجمَّد منهج البيلبول وأصبح مجموعة من القواعد التي تستند إلى الإيمان الحلولي بأن الحكماء القدامى (سواء الذين يرد ذكرهم في التلمود أو أولئك الذين كتبوا الشروحات عليه) معصومون وإن اختلفوا في الرأي، فخلافهم لا يعدو أن يكون خلافاً ظاهرياً، وغاية الطالب هي العثور على وسيلة جدلية تَصلُح لإزالة الفروق وتسوية الخلافات. وقد كان العالم يحاول اكتشاف التناقضات الكامنة في التلمود، وفي التعليقات عليه، ثم يطرح الحلول التي تفسر هذه التناقضات، وبعد أن يتم ذلك تُكتَشف التناقضات في الحلول نفسها، ثم تُطرَح حلول جديدة. وتستمر هذه العملية إلى أن يتم توضيح الموضوع موضع النقاش وتُزال أية تناقضات ظاهرة كانت أم كامنة. ولكن النقاش الجدلي كان يأخذ أحياناً شكلاً متطرفاً حتى أصبح الهدف منه شحذ القريحة وحسب، وتحوَّل إلى ضَرب من السفسطة. ولذا، كان المنهج يُستخدَم في خلق بنيً ذهنية منطقية وفي التوصل إلى توازنات فكرية ليس لها أساس علمي أو واقعي. وأصبح المنهج، في النهاية، وسيلة في يد طلاب المدارس التلمودية العليا لتحميل النص بأي معنى يريدون، وهو ما أدَّى إلى تحريف المعنى الحقيقي، كما صار سلاحاً يستخدمه طلاب الوظائف الحاخامية المختلفة بحيث أصبح تَملُّك ناصية المنهج أكثر أهمية من معرفة الشريعة المكتوبة أو الشفوية نفسها. ومع بدايات التحديث والعلمنة في أوربا، كان هذا منهج التفكير الأساسي بين الحاخامات اليهود، وإن كان قد عارضه الحاخام إلياهو زلمان (فقيه فلنا) الذي حاول أن يبعث التقاليد الحاخامية من الداخل.