وقد تحوَّل يوحنان إلى رمز لما يُسمَّى «الاستمرار» و «البقاء» اليهوديين فقد أوجد لليهود وطناً ومركزاً روحياً بعد أن فقدوا وطنهم المادي الوحيد، فمهَّد بهذا لتحوُّل اليهود من أمة عادية لها أرض ودولة، إلى أمة الروح التي لا وطن لها إلا التوراة. والواقع أن بن زكاي هو بطل الصهيونية الثقافية وصهيونية الدياسبورا في دفاعهما عن فكرة الأمة الروحية. ولكنه في الوقت نفسه بطل اليهود الاندماجيين الذين يؤمنون بأن اليهود جماعة دينية وحسب وليسوا جماعة قومية أيضاً.
يفنه
Jabneh
«يفنه» مدينة فلسطينية قديمة جنوبي يافا واسمها اليوناني «جامينا» . اكتسبت يفنه طابعاً هيلينياً أثناء الفترة الهيلينية، وكانت موضع صراع أثناء حكم الحشمونيين، ثم أصبحت بعد ذلك مدينة حرة. وقد أهداها أوغسطس إلى هيرود، ثم أسَّس فيها يوحنان بن زكاي أول حلقة تلمودية بأمر من الرومان. وقد ورثت حلقة يفنه ما تبقى من سلطة دنيوية يتمتع بها السنهدرين. ولذا، فقد أُبقي على بعض الأشكال الخاصة به، مثل: عدد الأعضاء (٧١) ، والنفخ في البوق (شوفار) ، وإعلان رؤية القمر. وأصبح رئيس الحلقة هو رئيس اليهود (الناسي أو البطريرك) . وأصبحت حلقة يفنه مركزاً لليهودية إلى أن ظهرت حلقات أخرى في بابل وغيرها من البلاد. وقد دُمِّرت يفنه أثناء ثورة بركوخبا، وهرب سكانها إلى الجليل، وانتقلت حلقتها التلمودية إلى هناك.
وقد أخذت اليهودية هناك شكل نسق ديني روحي، وهو نسق كامن في كتب الأنبياء الذين كانوا يهاجمون العبادة القربانية ويؤكدون الجانب الروحي للخلاص. وقد لخص علماء اليهود في يفنه تعاليم مدارس هليل وشماي، وأكملوا تدوين وتقنين الكتب المقدَّسة، وحددوا الصلوات، كما نقلوا إلى المعبد اليهودي والسنهدرين بعض الممارسات والإجراءات الدينية والصلاحيات الخاصة بالهيكل. ومنذ ذلك التاريخ، صار الحاخامات هم الفئة القائدة.