للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصل بن جرشون بكثير من مقولات موسى بن ميمون إلى نهايتها المنطقية. فالخلود مسألة عقلية، ولذا فإن عقل الإنسان هو وحده الذي يُبعَث بعد الموت. والعناية الإلهية تتوقف أيضاً على العقل البشري، فكلما ازداد العقل إحاطة بالمبادئ الكونية شملته العناية الإلهية، والنبوة إن هي إلا مَلَكة عقلية وقدرة على الاتصال بالعقل الكوني. ويرى بن جرشون أن الإنسان يصل إلى النبوة دون إرادة الإله أي من خلال المران العقلي. والإله هو الصلة الأولى والفكرة الأسمى. والعالم مخلوق من مادة قديمة وليس من العدم، إلا أن قدم هذه المادة لا يعني أنها متجاوزة الزمن، وما دامت حدود فعاليتها داخل العالم المخلوق، فإنها تكون قديمة ولكنها خاضعة للزمن. ومع ذلك، إذا كانت المادة قديمة بشكل ما، وكانت الصور وحدها تَصدُر عن الإله، فإن الإله لا يستطيع معرفة المخلوقات العديدة التي تُولَد من اتحاد الصورة مع المادة، بمعنى أن الإله يعرف العام وحده ولا يعرف الجزئي من حيث هو جزئي، ويعني هذا أن هناك قدراً من الحرية للإنسان إذ أن الجزئي يخرج عن نطاق العلم الإلهي. ويقتصر العقل الإلهي عند ابن جرشون على خلق ما يسميه «العقول المفارقة» ، وهي مخلوقات لا مادية تفيض منها الصور على العالم المادي، وحالما تُخَلق هذه العقول تتولى حكم العالم، وهي لا تدير نظام الطبيعة العادي فحسب بل هي تصنع أيضاً النبوة والعناية الإلهية وحتى المعجزات. ولكن المعجزات هنا تتبع نمطاً وقانوناً خاصّين، ولكنهما مع هذا يظلان قانوناً ونمطاً للحالات النادرة. ويُلاحَظ الاتجاه الغنوصي في فكر ابن جرشون، كما يُلاحَظ كذلك التقارب الشديد بين فكره وفكر ابن رشد من ناحية وفكر إسبينوزا من ناحية أخرى.

قريشقش (١٣٤٠-١٤١٠)

Crescas

<<  <  ج: ص:  >  >>