والتوراة ـ حسب هذا التصور ـ هي مخطَّط الإله للخلق كله، وينبغي دراستها. لكن كل كلمة فيها تمثل رمزاً، وكل علامة أو نقطة فيها تحوي سراً داخلياً، ومن ثم تصبح النظرة الباطنية الوسيلة الوحيدة لفهم أسرارها. وقد جاء أنه، قبل الخلق، كُتبت التوراة بنار سوداء على نار بيضاء، وأن النص الحقيقي هو المكتوب بالنار البيضاء، وهو ما يعني أن التوراة الحقيقية مختفية على الصفحات البيضاء لا تدركها عيون البشر. ويقول القبَّاليون إن الأبجدية العبرية لها قداسة خاصة، ولها دور في عملية الخلق، وتنطوي على قوى غريبة قوية ومعان خفية، وبالذات الأحرف الأربعة التي تكوِّن اسم يهوه (تتراجرماتون) ، فلكل حرف أو نقطة أو شرطة قيمة عددية. ومن هذا المنطلق، فإن الحروف تنقسم بصفة عامة إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى الهمزة (رمز الهواء) ، والمجموعة الثانية الميم (رمز الماء) ، والمجموعة الثالثة الشين (رمز النار) . وبإمكان الإنسان الخبير بأسرار القبَّالاه أن يفصل الحروف، ويجمع معادلها الرقمي ليستخلص معناها الحقيقي، كما كان من الممكن جَمْع الحروف الأولى من العبارات، وأن يُقرَأ عكساً لا طرداً ليصل المرء إلى معناها الباطني. وكانت هناك أيضاً طريقة الجماتريا.
وبذلك تصبح كلمات التوراة مجرد علامات، أو دوال، تشير إلى قوى ومدلولات كونية وبنى خفية يستكشفها مفسر النص الذى يخترق الرداء اللفظي ليصل إلى النور الإلهي الكامن. ومن خلال هذا المنهج التفسيري، تَمكَّن القبَّاليون من فرض رؤاهم الخاصة على النصوص الدينية وإشاعتها، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لكل الآراء الحلولية المتطرفة.