ورغم تأكيدنا أن القبَّالاه ثورة على التراث الحاخامي إلا أنها تضرب بجذورها في الطبقة الحلولية التي تراكمت داخل التركيب الجيولوجي اليهودي منذ البداية في العهد القديم، حيث يتوحد الإله مع شعبه. وهو توحُّد كان يأخذ شكل العهد المتجدد بين الإله والشعب، والتدخل المستمر للإله في التاريخ لصالح شعبه، وتجسُّده في شكل عمود نار ليقودهم، وغضبه منهم وحبه لهم وغزله فيهم ومعهم. وقد عبر الحلول الإلهي وعشقه لبنت صهيون عن نفسه في نهاية الأمر في شكل العبادة القربانية المركزية حيث كانت تتم لحظة الحلول والالتحام بين الإله والشعب والأرض في يوم عيد الغفران حين كان كبير الكهنة يدخل إلى قدس الأقداس لينطق باسم يهوه.
ورغم حرب الأنبياء ضد الأفكار الحلولية إلا أنها زادت ترسخاً في القرن الأول قبل الميلاد، وعبَّرت عن نفسها في جماعة مثل جماعة الأسينيين، وفي أسفار الرؤى (أبوكاليبس) مثل كتاب حنوخ وفي الكتب الخفية (أبوكريفا) ، وفي الغنوصية اليهودية وغير اليهودية. كما ترسخت الطبقة الحلولية بترسُّخ مفهوم الخلاص المشيحاني باعتباره خلاصاً قومياً لا فردياً. ويُلاحَظ أن ثمة تشابهاً بين القبَّالاه وكُتب الرؤى في عدة أوجه من أهمها رؤية الخلاص، فالخلاص لن يتم الوصول إليه من خلال عملية أخلاقية تاريخية تدريجية، وإنما من خلال معجزة خارجية وتَدخُّل إلهي فجائي، عندما يظهر الماشيَّح ويشع بضوئه على العالم بأركانه الأربعة عند نهاية التاريخ وتحقُّق الفردوس الأرضي. كما أن الأفكار الثنوية الرؤياوية التي تساوي بين الجوهر الإلهي وجوهر آخر، وهي فكرة ذات أصول فارسية، وجدت طريقها إلى القبَّالاه أيضاً، في تفرقتها بين عالَم الدنس والرذيلة والموت الحالي من ناحية وعالم الخير والطهارة والوجود الأبدي الآتي بعد ظهور الماشيَّح من ناحية أخرى.