للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الملاحَظ أن الأدب الجولمي أو أدب الشخصيات المخلقة قد انتشر في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في وسط أوربا وشرقها (أي موطن يهود اليديشية) ونذكر على سبيل المثال قصة الجولم للبافاري جوستاف ميرينك وقصة «دراكيولا» ذات الأصل الترانسفالي وقصة فرانكنشتاين ذات الأصل البومراني (النسبة إلى مقاطعة حدودية تقع بين تشيكوسلوفاكيا وألمانيا وبولندا) .

وقد ارتبط انتشار قصص الجولم وأساطير تخليقه بفترة ازدياد الاتجاه للعلمنة. فقبل القرن السادس عشر كان الجولم مجرد أسطورة تفسيرية، لكن الجولم تحوَّل بعدئذ إلى واقع متخيَّل. فهو تجسيد أسطورة الخلق العلمانية، فبالإمكان استخدام الاسم الأعظم أو «الكلمة» (أي المعرفة العلمية أو «القانون العلمي» ) لتكوين المخلوق، وهو الاتجاه نفسه الذي كان سائداً في أوربا منذ بداية عصر الإصلاح الديني حيث بدأ يسود الاعتقاد بأن الفرد (لا الكنيسة) هو موضع الحلول الإلهي وهو منقذ ذاته ومخلصها، وهي الفكرة التي أصبحت في السياق العلماني الإيمان بأن الإنسان مكتف بذاته وأنه العبد والمعبود والمعبد، وهو ما يمكن تسميته «تأله الإنسان» . والجولم يعبِّر عن هذا الجانب من الحلم العلماني ولكنه يعبِّر في الوقت نفسه عن جانب آخر، وهو خوف الإنسان العلماني (وشكوكه العميقة) من هذه القوة التي ينسبها إلى نفسها. ولذا، فإن الجولم، شأنه شأن فرانكنشتاين، يمثل ازدواجية المنقذ المدمر. وهو، بالتالي، يتيح له إسقاط مخاوفه ومتاعبه على هذه الشخصية المُخلَّقة ويعطيه هذا إحساساً بالتجاوز وأيضاً إحساساً بالقدرة على الإنجاز في فترات عدم الإنجاز والانهيار الشامل. إن الجولم يجسد لكل فرد إمكانية أن يكون صانعاً للجولم في يوم ما أو أن يكون الإله أيضاً، وهو في الوقت نفسه الوسيلة التي يفرغ بها الإنسان مخاوفه من هذا الطريق الشيطاني. والجولم، بهذا المعنى، معادل وظيفي دنيوي للأيقونة المنقذة المدمرة، أو تلك

<<  <  ج: ص:  >  >>