وقد تبنَّى المتصوِّف الألماني جيكوب بومه Jacob Boehme (١٥٤٥ ـ ١٦٢٤) نسقاً قبَّالياً غنوصياً. ويتحدث بومه عن «أون جروند Ungrund» وهي الهوَّة (حرفياً: «اللا أرض» ) ، وهي أيضاً الإرادة الأولى أو العدم الأزلي، وكلها عبارات تذكرنا بالإيين والإرادة الإلهية الأولى في القبَّالاه. وقد شبه بومه اللا أرض هذه بالنار الخفيَّة التي توجد ولا توجد (وهي عبارة وردت في الزوهار) . ويتضح النسق القبَّالي وبحدة في الثنائيات الصلبة التي تسم نسق بومه. كما أن مفهوم بومه الخاص بالسقوط باعتباره خللاً أو عدم اتزان بين عناصر الكون الأربعة يشبه تماماً فكرة الخلل الكوني في القبَّالاه (وعند هذه النقطة يصبح من العسير التحدث عن القبَّالاه مستقلةً عن النسق الغنوصي الذي يَصدُر عن فكرة أن السقوط ليس ناجماً عن الخطيئة وإنما عن خلل ما) .
ومهما كان الأمر، فإن تبنِّي بومه لهذا النسق قد جعله من أهم القنوات التي تحولت من خلالها القبَّالاه إلى رافد أساسي في الفكر الديني المسيحي واليهودي. وقد بدأت الأفكار القبَّالية تتبدَّى في كتابات وأعمال بعض الفنانين مثل الفنان الألماني دورر Durer. وقد قام كريستيان نور فون روزينروث Christian Knorr Von Rosenrotth بنشر أجزاء ضخمة من الزوهار والقبَّالاه اللوريانية في كتابه كشف القبَّالاه (١٦٨٤) ، وقد حقق الكتاب ذيوعاً كبيراً بين أعضاء النخبة الثقافية في أوربا. أما العَالم اليسوعي أثاناسيوس كيرشر Athanasius Kirsher، فبيَّن التوازي بين مفهوم الآدم قدمون ومفهوم المسيح كإنسان أوَّل. وظهر اصطلاح «القبَّالاه المسيحية» لأول مرَّة في كتابات فرانسيسكوس ميركوريوس فان هلمونت Franciscus Mercurius Van Helmont، وهو عَالم دين هولندي يشكل حلقة وصل بين القبَّالاه وفلاسفة كمبردج الأفلاطونيين، وكذلك الذين تأثروا بالقبَّالاه مثل: رالف كدور Ralph Cudworth وتوماس فون Thomas Vaughn، وتوماس بيرنت Thomas Burnet.