للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع بدايات القرن السابع عشر، كانت اليهودية الحاخامية (كما أسلفنا) قد بدأت تواجه الأزمة نفسها مرة أخرى، إذ تزايدت الشعائر وتوارت العقائد وتراجع الإيمان. وقد شنت الحركات المشيحانية الهجوم على اليهودية الحاخامية، فكانت تخرق الشعائر وتبطلها تماماً. وقد ذهب مندلسون إلى أن اليهودية ليست ديناً بالمعنى المتعارف عليه، فهي مجموعة من القوانين والقواعد الأخلاقية السلوكية والشعائر المُرسَلة التي تهدف إلى وضع أسس لسلوك اليهود لا إلى تقنين تفكيرهم وعقيدتهم. أما العقائد اليهودية، من وجهة نظره، فهي أمور عقلية عامة وبديهية يستطيع العقل أن يصل إليها دون حاجة إلى دين مرسل. ومن هنا، فإن الشعائر تُجسد في نظره الخصوصية اليهودية (القومية) ، أما العقائد فلا يوجد فيها ما يجعل اليهودية مختلفة عن غيرها من الديانات.

وقد تقبل اليهود الإصلاحيون هذه الأطروحة، ولكنهم خَلصوا منها إلى ضرورة الحفاظ على العقائد العقلية العامة وضرورة التخلص من الشعائر ومن الخصوصية ومن النزعة القومية التي تعزل اليهود وتمنعهم من الاندماج، وقد كان هذا الخط العام لحركة التنوير اليهودية. وذهب دعاة اليهودية المحافظة إلى ضرورة الحفاظ على الشعائر باعتبارها جزءاً من التقاليد اليهودية الشعبية، وعلى أساس أنه قد يكون من الضروري تغييرها وإعادة تفسيرها لتتفق مع روح العصر. ولكن عملية التغيير هذه يجب أن تتم بحذر شديد ومن خلال شكل من أشكال الاجتهاد أو الإجماع الشعبي.

وفي أواخر القرن الثامن عشر، وعبر القرن التاسع عشر، كانت الحكومات المطلقة في أوربا تحاول تشجيع أعضاء الجماعات بشتى الطرق للتخلي عن إقامة الشعائر، خصوصاً ما يعمق منها الهوية اليهودية ويعزل اليهود عن بيئتهم الحضارية، مثل إطلاق اللحية والسوالف. كما كانت تمنع أحياناً تعيين اليهود الذين يطلقون لحاهم، وتمنع تدريس التلمود في المدارس اليهودية.

<<  <  ج: ص:  >  >>