٣ ـ أدَّى تآكل المؤسسات الوسيطة إلى تفَاقُم هذه الظاهرة. فالأسرة، على سبيل المثال، تحمي الفرد قليلاً من تغلغل عوامل التنميط في حياته الخاصة وإلى وجدانه، وهي تزود الفرد بتربة اجتماعية مفعمة بالحميمية، إيقاعها يتفق مع إيقاعه أو يمكن ضبطه ليتفق مع الإيقاع المناسب له، فيتكشف أبعاده الداخلية بدلاً من أن يُفرَض عليه أن يتبع إيقاعاً برانياً حاداً ويدخل قالباً محدداً.
٤ ـ يُلاحَظ أن الإنسان في العصر الحديث إنسان حركي نسبي، فهو لا يرتبط بمطلقات أو ثوابت تسيطر عليه عقلية الترانسفير، وهو على استعداد لتغيير قيمه بعد إشعار قصير، فيقع فريسة صناعات اللذة والإعلانات التي قامت بعملية هندسة اجتماعية شاملة فأعادت صياغته بما تراه يخدم صالحها.
٥ ـ قامت شركات التسويق والإعلام بدور حاسم في عملية التنميط إذ ألقت في روع الناس أن أنماط السلوك النمطية هي الأنماط الطبيعية.
٦ ـ ولعل أهم أسباب التنميط هو ظهور الدولة العلمانية المركزية التي لا تتعامل إلا مع وحدات إدارية ضخمة والتي تحاول قدر طاقتها ترشيد الواقع الاجتماعي والإنساني حتى يمكنها التحكم فيه والتخطيط له وتوجيهه وتوظيفه لصالحها، أي حوسلته. وعملية الترشيد هذه هي في جوهرها عملية تنميط، إذ بدونها سيصبح الواقع الإنساني والاجتماعي متنوعاً مركباً غير متجانس لا يمكن إخضاعه لعمليات الحوسلة.