ومع هذا يمكن القول بأن المشروع التحديثي الغربي ليس تفكيكياً وحسب وإنما هو أيضاً مشروع تأسيسي، فهو يعيد تركيب الكون على أساس نموذج الطبيعة/المادة والمطلقات العلمانية المختلفة التي تَرُد الإنسان إلى هذا العنصر المادي أو ذاك. فالمنظومة الداروينية، على سبيل المثال، تعيد تركيب المجتمع على أساس أنه غابة مظلمة ظالمة يتصارع فيها الإنسان مع الحيوان والإنسان مع الإنسان، فهي حرب يخوضها الجميع ضد الجميع.
نزع القداسة عن العالم (الإنسان والطبيعة (
» نَزْع القداسة عن العالم» ترجمة للكلمة الإنجليزية «دي سانكتيفاي desanctify» أو «دي ساكرالايز desacralize» التي تعني نزع القداسة عن الظواهر كافة (الإنسان والطبيعة) بحيث تصبح لا حرمة لها ويُنظَر لها نظرة طبيعية/مادية صرفة لا علاقة لها بما وراء الطبيعة. أي أن نزع القداسة عن العالم هو نتيجة حتمية للإيمان بفعالية القانون الطبيعي في مجالات الحياة كافة (الطبيعية والإنسانية، العامة والخاصة) . وإذا ما تم ذلك، فإن العالم (الإنسان والطبيعة) يمكن أن يصبح مادة استعمالية يمكن توظيفها والتحكم فيها وترشيدها وتسويتها وحوسلتها، وهو أمر يستحيل إنجازه إن كانت هناك قداسة في المادة وإن كانت هناك حرمات تضع حدوداً على سلوك الإنسان وعلى حريته. ونزع القداسة يعني فرض الواحدية المادية على الكون بحيث يسري قانون واحد على كل الأشياء. ونزع القداسة يؤدي إلى ظهور نزعة إمبريالية لدى الإنسان، فهو ينظر إلى العالم باعتباره مادة نافعة له يمكنه توظيفها لحسابه ويصبح الهدف من المعرفة هو زيادة التحكم. وحيث لا توجد قداسة أو حرمات أو مرجعيات أخلاقية، فلا حدود لعملية الغزو.