وهذا هو تَصوُّر داروين أو فرضيته. ولكنه كان في واقع الأمر عاجزاً تماماً من الناحية العلمية عن إثبات كثير من فرضياته. ولذا فهناك حديث عن الحلقة المفقودة، وهي تعني وجود مسافة بين القرد والإنسان، ولذا فقد تحدثوا عن الطفرة بمعنى سَد الثغرة في الزمان بدون سبب واضح، وتم فرض الاستمرارية والواحدية دون وجود شواهد مادية علمية. ومع هذا، ذهب دعاة الداروينية الاجتماعية إلى أن فرضية داروين نظرية وحقيقة علمية، ثم نقلوا هذه الفرضية من عالم الطبيعة إلى عالم الإنسان، وقرروا أن العلاقة بين الكائنات الحية في الطبيعة لا تختلف عن العلاقات بين الأفراد داخل المجتمعات الإنسانية، ولا عن العلاقات بين المجتمعات والدول. وعلى هذا، تم استخدام النموذج الدارويني لا لتفسير الطبيعة/المادة وحسب وإنما لتفسير حياة الإنسان الفرد في المجتمعات، وفي تفسير العلاقات بين الدول والمجتمعات على المستوى الدولي.
وقد وُظِّفت الداروينية الاجتماعية في تبرير التفاوت بين الطبقات داخل المجتمع الواحد وفي الدفاع عن حق الدولة العلمانية المطلقة وفي تبرير المشروع الإمبريالي الغربي على صعيد العالم بأسره. فالفقراء في المجتمعات الغربية وشعوب آسيا وأفريقيا (والضعفاء على وجه العموم) هم الذين أثبتوا أن مقدرتهم على البقاء ليست مرتفعة، ولذا فهم يستحقون الفناء أو على الأقل الخضوع للأثرياء ولشعوب أوربا الأقوى والأصلح.
ويمكن تلخيص الأطروحات الأساسية في الداروينية الاجتماعية على النحو التالي:
١ ـ كل الأنواع العضوية ظهرت من خلال عملية طويلة من التطور، وهي عملية حتمية شاملة تشمل كل الكائنات (وضمن ذلك الإنسان) وكل المجتمعات في المراحل التاريخية كافة.
٢ ـ العالم كله في حالة تَطوُّر دائم، وهذا التطور يتبع نمطاً واضحاً متكرراً رغم أن التطور قد يكون بطيئاً وغير ملحوظ أحياناً، وقد يأخذ شكل طفرة فجائية واضحة أحياناً أخرى.