والواقع أن في إنكار البعث إنكاراً للمسئولية الشخصية وإنكاراً لفكرة الضمير الفردي، فالأخلاقيات اليهودية الحلولية أخلاقيات جماعية قومية لا تميِّز بين الخير والشر بقدر تمييزها بين اليهود والأغيار. وإنكار البعث تعبير مباشر عن النزعة الحلولية. فإذا كان الإله يحل في الأمة والأرض ولا يتجاوز المادة والتاريخ ويجمع بينهما، فإن البعث الفردي (والمسئولية الخلقية) تصبح أموراً مستحيلة وغير مرغوب فيها، فالبعث هو التوحد مع الأمة المقدَّسة والبحث عن الاستمرار والخلود من خلالها، وربما الدفن في الأرض المقدَّسة. ومن هنا كان الاهتمام المتطرف في إسرائيل بالدفن والمدافن، وباستعادة جثث الموتى من الجنود الإسرائيليين، بل من الشائع لدى بعض الجماعات اليهودية شراء تراب من أرض فلسطين (ومن القدس بالذات) ليُنثر على رأس المتوفي أملاً في أن يحوز بذلك البركة الخاصة بالبعث. وفي إطار الحلولية الصهيونية بدون إله ووحدة الوجود المادية التي تقدِّس الأرض، بدأ بعض الشباب الإسرائيلي يشعر بأن هذه الأرض المقدَّسة أصبحت تطالب بمزيد من المدافن وصناديق دفن الموتى. ولعل ما يدعم إحساسهم هذا، رفض يهود العالم الهجرة إليها وحرص الكثيرين منهم في الوقت نفسه على أن يدفن فيها.